بعد النجاح الذي حققته في توسيع نشاطها الاقتصادي في وسط آسيا، اتجهت الصين لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعها العالمي، فعكفت على العمل لطرد الأمريكيين والروس من المواقع الإستراتيجية في غرب وجنوب آسيا. رصدت بكين عشرين بليون دولار الشهر الماضي لمساعدة الدول العربية في إعادة الاستقرار لاقتصادياتها، في نفس الوقت الذي تعمل فيه على اقناع هذه الدول باقامة علاقة مشتركة بين المصارف العربية والصينية بقيمة ثلاثة بلايين دولار. الرئيس الصيني شى جين بينغ أعلن هذه الخطط في منتدى التعاون العربي الصيني الثامن الذي اقيم على المستوى الوزاري في الأسبوع الأول من شهر يوليو بقاعة الشعب في بكين. وقال شي للمندوبين العرب: إن الصين خصصت للمرحلة الأولى 15 مليون دولار لفلسطين، بالاضافة ل90 مليون دولار أخرى لمشاريع إنسانية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وهي دول عانت من الحروب ولن تتردد في استقبال كل من يقدم لها يد المساعدة دون النظر إلى أهدافه المستقبلية، فالدول الكبرى تعرف كيف تنتهز الفرص وتأتي في مقدمة تجار الحروب لاستغلال الشعوب في حالة ضعفها. ولدى الصين إلى جانب علاقاتها الاقتصادية في مختلف المجالات، تعاون عسكري مع أكثر من بلد عربي. ويقول مراقبون: إن هدفها البعيد طرد الروس والأمريكيين الذين تزاحمهم في أمريكاالجنوبية وفي أفريقيا من منطقة الشرق الأوسط، بانشاء شبكة تمويل ضخمة تغري دول الشرق الأوسط بالاعتماد عليها اقتصاديًا. وتأتي الأموال الصينية التي عرضت في اجتماع بكين الأخير، ضمن الاغراءات التي تقدمها بكين، ويصعب على الدول التي تواجه صعوبات اقتصادية رفضها. بكين قطعت شوطًا بعيدًا في مشروعها الاستيعابي المعروف باسم «طريق واحد، حزام واحد» الذي يمتد إلى موانئ جنوب آسيا ويتجه إلى الشرق الأوسط. ويرتكز المشروع على خطى درب الحرير التاريخي بإنشاء شبكة بنية تحتية واسعة، تمتد حسب الخطة من الحدود الغربية للصين إلى الحدود الشرقيةوالجنوبية للاتحاد الأوروبي، وتشمل شبكات النقل لربط وسط وشرق آسيا بالشرق الأوسط عبر خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة المسفلتة وبالطرق البحرية والجوية وخطوط الأنابيب والكهرباء. هذه الشبكة في حال اكتمالها ستجعل نحو أربعة مليارات من سكان كوكب الأرض تحت مظلة واحدة، وستسمح في المقابل لبكين بالسيطرة عبر مستخدميها على الأسواق الأوروبية والآسيوية. ومنطقة الشرق الأوسط هي واسطة العقد في المشروع الصيني؛ لأنها اقصر نقطة عبور تربط آسيا وأوروبا. من أهداف بكين أيضا الوصول إلى موارد النفط والغاز الواسعة في منطقة الخليج العربي، فاستهلاك الصين من الغاز الطبيعي يتوقع أن يرتفع بحلول عام 2020 إلى 420 مليار متر مكعب. وانتهزت بكين تأزم علاقة إيران مع الولاياتالمتحدة، واحتمال اذعان الدول الأوروبية لتهديدات الرئيس دونالد ترامب، فسارعت شركة النفط الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي) للاتفاق مع طهران لتحل محل شركة توتال الفرنسية، إذا ما اجبرت على المغادرة بسبب فرض عقوبات أمريكية عليها. وما يثير الاستغراب هو أن موسكو وواشنطن ما زالتا تلتزمان الصمت، وتكتفيان بمراقبة توسع الصين الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وهي ماضية في سحب البساط من تحت أرجلهما، ويعتقد المراقبون ربما تعجزهما الحيلة وستحتاجان لتخصيص أموال ضخمة اذا ما ارادتا الحفاظ على نفوذهما المتأرجح في الشرق الأوسط..