حول التوظيف والسعودة تدور هموم الوطن والمواطن اليوم أكثر من أي وقت مضى.. تقفز حالة البطالة بين الشباب إلى الواجهة فتحتل الصدارة دائما في أي حوار أو جدل يخص الاقتصاد والمعيشة والتغيير والإصلاح.. إلخ من هموم ومشاكل تهم الشباب السعودي الذي يشكل النسبة العظمى من تعداد السكان.. وهي نسبة مرشحة دائما للزيادة وليس للنقص.. وقد تحدث مؤخرا معالي وزير المالية.. وتذكر ما كان يذكره الجميع ويكررونه منذ سنين بأن على القطاع الخاص أن يكون جادا في توظيف السعوديين.. وكان القطاع الخاص يا معالي الوزير لا يعلم بهذه الحاجة.. وبأن مقام وزارة المالية الموقر ليس بيده شيء حيال هذا القطاع رغم أنه شريك معه.. الممول له والداعم لوجود شركاته ومصانعه منذ البداية ولا يزال.. نصيحة معالي وزير المالية الموقر وتوجيهاته الأخيرة هذه للقطاع الخاص تعطي انطباعا مضللا عن دور وزارة المالية في شئون التوظيف والسعودة بالذات لأنها صاحبة النسبة الكبرى من رأس مال معظم الشركات والمصانع.. وبالتالي هي العضو الإداري الأهم وربما الرئيس لأكثر مجالس الإدارات في قطاعات مهمة مثل: الاتصالات والبترول والصناعات الأساسية عطفا على نسبة رأس مال الدولة المساهم في رؤوس أموال تلك الشركات.. وهي أهم القطاعات القادرة على استيعاب توظيف وتدريب الشباب السعودي فيها.. لكنها وللأسف الشديد صارت أهم القطاعات التي أفشلت خطط السعودة وتوطين الوظائف في قطاعاتها من خلال تحويل معظم أعمالها إلى مقاولين صغار غير مؤهلين تماما للتعامل مع أهداف السعودة وغاياتها السامية.. فزادوا الطين بلة كما يقول المثل الشعبي ولم يساعدوا على حلها.. بل فاقموا من مشاكل الشباب السعودي وزادوها تعقيدا بدل تسهيلها عليهم من خلال استقدام العمالة الأجنبية الرخيصة أو توظيف الشباب السعودي بعقود مجحفة بلا بدلات ولا رواتب مجزية ولا حقوق ولا أمن وظيفي يضمن لهم قدرا جيدا من الاستقرار والتطلع إلى المستقبل بروح متفائلة.. كل ذلك يحدث من دون أن تتدخل وزارة المالية وكأنها لا ترى ولا تسمع شيئا.. توظيف الشباب السعودي بعقود مجحفة بلا بدلات ولا رواتب مجزية ولا حقوق ولا أمن وظيفي يضمن لهم قدرا جيدا من الاستقرار والتطلع إلى المستقبل بروح متفائلةوكان بإمكان وزارة المالية أن تفرض شروطا واضحة ومحددة للسعودة على كل تلك الشركات.. كان بإمكان وزارة المالية أن ترفض أو توجه أصحاب القرار في تلك الشركات بأهمية توطين الوظائف في صناعة البترول والصناعات الأساسية والاتصالات بالذات حتى وإن تطلب ذلك من تلك الشركات الكبرى أن تبذل المزيد من رأس مالها على توطين الوظائف للسعوديين وتأهيلهم بدلا من استقدام العمالة الأجنبية الرخيصة عن طريق المقاولين.. كان بإمكان وزارة المالية ولا تزال قادرة على أن تقوم بدور أكثر أهمية وحيوية من تصريحات مقتضبة وكأنها غير معنية بالأمر.. خصوصا وأن الشباب السعودي قد مل كثيرا من الوعود والمبادرات الطنانة.. والتي كان آخرها ماقرأناه في ملحق جريدة اليوم الاقتصادي في شهر صفر الماضي 1432 ه عن إطلاق مبادرة كبيرة براقة قدمتها الهيئة الملكية وشركة سابك لتوظيف السعوديين تحت عنوان رئيس «مشروع سابك الوطني لسعودة الوظائف في مدينة الجبيل وينبع»، وعنوان آخر فرعي: «سابك توطن خمسة آلاف فرصة عمل وتهتم بالجانب النسائي» مبادرة جديدة طنانة بالفعل ولكن.. لم تقل لنا سابك ولا الهيئة الملكية ولا وزارة المالية متى وكيف سيتم ذلك.. لم تقل لنا ما هي الشروط والمواصفات التي ستفرضها على مقاوليها لتوطين الوظائف وتحسين أوضاعها التي تجعل الشباب السعودي يفر هاربا وبسرعة من وظائف القطاع الخاص بسببها.. غني عن القول بأن الحد الأدنى للأجور والمواصفات الجيدة لبدلات السكن والإعاشة والتأمين الصحي والاجتماعي.. إلخ من مواصفات مهمة هي القيمة الحقيقية المفقودة في معظم الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص للشباب السعودي.. وهي مواصفات ليست مستحيلة الحل إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية لدى مقام وزارة المالية بالذات لفرض تلك الشروط وإلزام القطاع الخاص بتوفيرها لكل المواطنين السعوديين في مقابل الدعم والرعاية والمساندة الكبيرة التي لا تزال الدولة توفرها لهذا القطاع.. أي أن دعم القطاع الخاص لتوطين الوظائف السعودية ليس منة منه بل هو واجب وطني يجب أن يفرض عليه.