استقراء المستقبل والعمل على تحسينه هبة يمنحها الله لأشخاص دون غيرهم، والدول الناجحة مَن تستقري المستقبل لتعمل على التعايش والتعاطي معه بل والعمل على الاستفادة من الفرص القائمة لتحقيق أعلى المكاسب. لكن هناك شخوصا وحكومات لا تفقه ذلك وتعمل بطرق غير أخلاقية لترمي من حولها في جبة الجوع والخوف والمعاناة ظناً منها أنها تقوم بما سيحقق لها النجاح والسيطرة. لتصبح الصورة أوضح، دعونا نعد للخلف لثلاثة أو أربعة عقود من الآن ونأخذ صورة بانورامية للاقتصاد السعودي والإيراني ومعها نسخة لواقع البنية التحية ومعدل دخل الفرد والفرص الاقتصادية المتاحة والخدمات الصحية والتعليمية المقدمة ومعها نسخة لنسبة التعليم الجامعي للشعبين. قد يصيبكم الدوار من هول الفارق الشاسع بين اليوم والأمس إيجاباً أو سلباً. فالسعودية أصبحت اليوم من دول العشرين وهو التجمع الذي يضم ثلثي التجارة العالمية و90% من الناتج المحلي الخام في العالم أجمع ويناقش اشد القضايا الاقتصادية والسياسية حساسية وأهمية. وأصبحت أيضاً ذات مكانة عالمية في الساحتين الاقتصادية والسياسية ولها ثقلها في المحافل الدولية. وأوجدت بنية تحتية تضاهي الدول الكبرى وتقدم خدمات طبية وتعليمية مجانية على أعلى مستوى. وغدا شعبها يعيش ولله الحمد في رفاهية يحسد عليها، كما أنها استثمرت في أبنائها من خلال ابتعاثهم للخارج للدراسة بالمجان. أما على النقيض فقد تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل مثير وتعرض البلد لعقوبات ومحاصرة بسبب الأعمال العدائية والإرهابية، وأصبحت الدولة منبوذة سياسياً وتتحاشاها اقتصادياً الشركات العالمية وانكمش دخل الفرد وتعرض الشعب الإيراني لضغوط اقتصادية حادة وبنية تحتية بدائية. وفي الوقت الذي ترسل المملكة أبناءها للدراسة في الخارج لحياة أفضل أرسلت ايران أبناءها والبسطاء من اتباعها إلى ساحات الحروب وزجت بهم في أتون الموت لتحقيق مآرب سياسية لم تتحقق منذ عقود بالرغم من إهدار أموال المواطن الإيراني وسحق اقتصاده. إذا أردت أن تبني اقتصاداً فعليك بمن يملك قدرة في استقراء المستقبل بشكل صحيح، ليستثمر في الإنسان وفي الوطن لا من يهدر اقتصاده في طموحات سياسية ودينية وهمية لم ولن تتحقق.