لطالما ظلت إسرائيل تنفذ سياسة تصفيات وتدمير تستهدف العلماء والمهندسين المسلمين لمنع حصولهم على تقنيات تمكنهم من التفوق عليها، وتبقيهم تحت سطوتها فلا يستطيعون استرداد حقهم. وفي هذا الإطار، يوثق كاتب إسرائيلي هذه الحقائق ويقدم شهادة من الداخل، حيث سأل لماذا اغتال الموساد فادي البطش وهو محاضر في الهندسة الكهربائية غير معروف خارج مجاله؟. وقد سبق لإسرائيل أن اغتالت في أواخر العام الماضي محمد الظواهري العالم التونسي والقائد العسكري لحركة حماس الذي قيل إنه يعمل على تطوير تقنيات عسكرية ذاتية التوجيه تعمل من الجو وتحت الماء. ثم يجيب الكاتب الإسرائيلي بأن مهمة البطش كانت مفتاحا لمصيره النهائي، حيث أرسل إلى ماليزيا للحصول على خبرة فنية في برنامج الطائرات بدون طيار الذي تنفذه حماس. في إسرائيل كان هناك جدل قديم حول مدى فعالية اغتيال من تسميهم إرهابيين فتستهدف تصفيتهم. الذين يرفضون الاغتيالات يرون إمكانية استبدالهم بآخرين، خاصة أن القتل الممنهج يغذي ثورة الغضب التي تؤدي لارتكاب ما تسميه العمليات الإرهابية. ولهذا عمدت إسرائيل إدراكا منها لهذه الديناميكية، إلى قتل الذين يصعب استبدالهم بآخرين، وشمل ذلك تصفية قيادات كاريزمية كالشيخ أحمد ياسين، لكن تكتيك استهداف ذوي الخبرات العلمية كان المخطط الأكثر فعالية. وهذا النوع من العمل يخدم بشكل ممتاز إستراتيجية إسرائيل الشاملة، حيث مكنها من أن تصبح أقوى فاعل عسكري في المنطقة، معتمدة الكفاءة والتفوق النوعي على من تصنفهم أعداءها أينما وجدوا. وعلى ذات المنوال، حرصت إسرائيل على حماية ميزتها التكنولوجية ليس عن طريق تطوير قدراتها الخاصة فقط، بل بحرمان أعدائها المفترضين عن طريق الاغتيال والتخريب. ففي عام 1962 نما لعلم إسرائيل أن مصر أقامت منشأة سرية تستخدم فيها علماء نازيين مختصين في تصنيع الصواريخ V-1 وV-2 وأنها تخطط لتصنيع 900 صاروخ سيتم توجيهها ضد إسرائيل، فسارعت لتنفيذ «عملية داموكليس» التي لم يكن دافعها كراهيتها للعلماء الألمان فقط، بل أيضا لإدراكها أن وجودهم سيمكن المصريين من تطوير برنامج صاروخي عالي الجودة. اتبع جهاز الموساد الإسرائيلي عمليات التهديد للعلماء ونفذ عمليات تفجير ضدهم واغتال أحدهم كرسالة واضحة للآخرين. ووفقا لما فعله، استطاع الموساد من خلال الضغوط الدبلوماسية والعمليات الإرهابية إجبار الألمان على الانسحاب من برنامج الصواريخ المصري وتفكيك تلك الصواريخ في نهاية المطاف. استمرت إسرائيل تنفذ عمليات الاغتيال والتدمير، بغض النظر عن السيادة أو جنسية ضحاياها. في عام 1990 اغتالت مخترع أسلحة كندي يدعى جيرالد بول لأنه كان يعمل في برنامج الأسلحة العراقي. وفي عام 1996 اغتالت إسرائيل صانع القنابل يحيى عياش واعتبرته مسؤولا عن مقتل عشرات الإسرائيليين في هجمات انتحارية، فقتلته بتفجير هاتفه بعد أن دست فيه مادة متفجرة. ويعتبر اغتيال الأشخاص من ذوي المعرفة العلمية القابلة للتطبيق العسكري، أحد أكثر الحالات استهدافا من قبل إسرائيل، وفلسفتها في ذلك، ليس مهما كم عدد من تقتلهم.