تنمو الأوطان داخلنا كنبتٍ صحراوي يكبر حتى إن قل المطر، هي انتماؤنا وإدراكنا الأول لمعنى الاعتزاز والحب فنحن نكتسب لون تربته وانعكاسُ سمرتنا من شمسه، نحن تناقضاته المليئة بالحياة فقسوة ملامحنا وإن رقت هي مِن تلك الأوطان المتجذرة بأرواحنا قبل الخرائط. والحديث عن الانتماء والهوية واندماجها مع فكرة الوطن يقود إلى مجال الفنون وجوانبها التعبيرية المتنوعة المختزلة تفاصيل الجمال والبهاء، فالكثير مِن الفنانين جسدوا هوياتهم بأعمالهم التي جذبتنا وشدتنا للتعرف على بلدانهم وحضاراتهم فالغوص في علامات الانتماء البصرية في الماضي والحاضر وتوظيفها تشكيليا هو انعكاس الحب والولاء الذي يميز كل فنان ويعطي إشارة فنية تساعد المتلقي على فهم هوية الفنان واعتبارها مؤشراً على مدى انتمائه. ومِن الفنانين، الذين تميزوا في تجسيد الهوية كقالب تشكيلي له توظيفاته التعبيرية الفنان العراقي «هاني دله»، الذي أطلق عليه الفنان «عبدالقادر خليل» «فنان الأمل والحزن والشجن». إن مَنْ يتأمل لوحاته يتماهى مع عمقه الحسي وتوازنه العاطفي المجسد في ثنائية الحب والشجن تلك الجماليات، التي تفتح أبواب الجمال على العراق بنخلاته ونسائه الشامخات بأعناق تكاد تبلغ الغيم، إنا نحمل أوطاننا بداخلنا ذلك ما أثبته لنا هاني دله مهما بلغ بنا التياع الغربة، حنينه البارز في كُل زاوية من أعماله، بزرقة سماء بغداد وحمرة رمالها، في ازدحام الألفة بين أزقتها وذلك الود الضاج به الشارع. إن من تلك المجموعات التي حملت لون السلام والحب والشوق «الفلاحات»، المجموعة التي نجد فيها روح البساطة المغزولة بحب في تلك الحقول، وكأنها حكاية مِن ألف ليلة وليلة مصورة بين الشروق وقطف المحاصيل، إلى اشتداد الشمس ووقت الارتياح، واصلاً بنا إلى حيث قرب المغيب كلٌ حامل جنيه عائداً مِن حيث أتى، غير غافل عن أي تفصيلة مِن سَمَرٍ بسيط إلى تبرج وحُلي وجمال لا يُجادل به. أعتقد أن مَنْ يرى تلك الحكاية الشجية داخل روح نَقلت ما تحمل مِن وفاء وحب في لوحات هاني سيجد أنه ارتحل مع الأعمال حتى وصل الفرات وشرب منه. * كاتبة