وسط حضور مكثف من نجوم السينما والثقافة والفن، أقام الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة المصري، في قاعة الفن بحي الزمالك الراقي وسط القاهرة، معرضه السنوي الذي يضم 28 لوحة تجريدية مرسومة بخامة الإكريليك. وأبدى الوزير الذي لم يطلق تسمية محددة على المعرض، سعادته بالاحتفاء الملحوظ الذي قوبلت به أعماله (المليئة بالأمل والألم معا)، مشيرا إلى أن المعرض سينتقل إلى عدد من العواصم الأوروبية بعد أن يستمر شهرا كاملا في القاهرة. الغموض الذي يكتنف لوحات المعرض، لا يجلوه الانبهار المفتعل الذي يبديه بعض الزوار في وقفتهم التأملية أمام لوحات (معالي الوزير) متصنعين القدرة على قراءة اللوحة (الخارقة) عبر إمالة طفيفة للرؤوس التي تمعن في استكشاف مواطن الإبداع والفن التي لا بد أنها ظاهرة للعيان ما دام مبدعها فنانا بمرتبة وزير!. يتجوّل الوزير بين لوحاته وزوّاره مبتسما دون أن يكترث بمدى استيعاب الناس لأسلوبه الفني قائلا: (ليس مهما أن يفهم الجميع لوحاتي.. إنه الفن التجريدي الذي يعكس مرحلة متطورة جدا من الفن أتخلى فيها نهائيا عن الصورة المألوفة، وأسعى إلى بناء أشكال غير متآلفة وعلاقات غير متوقعة بين الأشياء والمفاهيم، فالتجريد إحساس متغير بعيد كل البعد عن الواقعية). الملاحظة التي لن يصعب على الزائر اكتشافها حتى لو كانت ثقافته الفنية (أو التجريدية) معدومة، تتلخص في طغيان اللون الأصفر في معظم اللوحات، وهي ملاحظة فتحت الباب واسعا أمام تأويلات متعددة، فاجتهد كل زائر في إطلاق تأويله الخاص تبعا لذائقته الفنية أو ربما لخياله النقدي!. ويميل حسام نصار المشرف على قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية، إلى التفسير النفسي منطلقا من حالة الشجن التي استولت على الوزير خلال انتخابات اليونسكو: (اللون الأصفر يعبر عما يمكن تسميته بالتوتر الإيجابي). ولم يبتعد الفنان نصير شمة عن تلك المنطقة التأويلية كثيرا: (هو انعكاس لتضاد نفسي بين الإسراف في الأصفر وحالة الحزن والوجع الأسود). لكن الكاتبة نعم الباز كان لها رأي مختلف ربما ينسف رأي سابقيها: (إنه يحمل الكثير من الأمل والطموح). ورغم إقرار محسن شعلان، رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، بالآثار السلبية التي خلفتها انتخابات اليونسكو، لكنه يبرر الحالة من حيث الانتماء الفني لمعالي الوزير: (الوزير ينتمي للمدرسة اللاشكلية التي تطلب من المتلقي أن يشعر بالأشكال دون أن يرسمها ويكون المقياس في هذه الحالة إحساس المتلقي). ويبدو أن للناقد الإيطالي إنزو بيلارديلو تفسيرا تاريخيا لاصفرار اللوحات: (هو استدعاء لرمز الذهب فى الحضارة المصرية القديمة، ومصدرا للطاقة، ومفجرا للحالة الشعورية، فاللوحات التجريدية تحرر الفن من التبعية المباشرة للطبيعة في محاولة لإعادة إنتاجها من جديد بشكل استعاري استنادا إلى حالة اللاوعي التي يمر بها الفنان معتمدا على حدسه الخاص بعيدا عن العقلانية المنطقية). بعد هذه الاجتهادات كلها المسرفة في خيالاتها، يرفض الوزير أن يرجع مسألة استشراء اللون الأصفر في لوحاته إلى (حالة الغدر والخيانة) التي تعرّض لها في انتخابات اليونسكو: (اللون غالبا ما يكون البطل التعبيري والمحدد لهوية اللوحة التي أرسمها، واختياره لا يعبر دائما عن حالة معينة، فبعض النساء يرتدين فساتين سوداء فى حفلات الزفاف، ومن هنا لا يكون اللون الأسود بالضرورة معبرا عن حالة الحزن). ويستأنف الوزير حديثه عن اللون الأصفر إلى “شمس” بعد أن يجيل نظره في اللوحات من حوله: (أستخدم اللون الأصفر فى إطار تجريدي ليبدو انعكاسا لظواهر مرئية فى العالم الحقيقي كالمباني والمناظر الطبيعية والفضاء الخارجي). ويستمر الوزير – دون أن يدري- في هدم جبال التأويلات التي اجتهد زواره في ابتكارها: (أعمال المعرض تسير في الخط التجريدي وبعضها يميل إلى التعبيرية التجريدية، و المشاعر هي التي تختار ألوانها، ولوحاتي تعج بالأشكال الهندسية والرمزية).