السكون.. بحر عميق الأغوار، نجد فيه أنفسنا، فنسبح في فضاء ذواتنا نبحث عن السكينة، عن المرفأ، انه هذا الصمت الذي يعمق وجودنا في الكون انه هذه العزلة، التي نلمسها في جنبات الصحراء، مع هذا التأمل الذى يجذب مشاعرنا وأحاسيسنا وأدواتنا الفنية فنجد من وحيه أجمل معاني للإلهام. هذه الصحراء المترامية الأطراف بهيبتها ووداعتها، هي ميلاد لأفكار الفنانين التشكيليين الذين استلهموا إيحاءاتهم، من فيض جمال فجر نهار وشروق شمس أسدلت ستارها على حبات بساط أرض، مبهم اللون لتمنحه نورا وضياء وظلالا وليشاهدوا غربة طائر، مرتحل في القفار أو صخور وجبال بعضها يحكى قصص البيداء، وما وصفه بها الشعراء من جمال. لا يخلو أي فنان شاهد هذه الصحراء، وعاش في أحضان هيبتها ووقارها، مهما كانت جنسيته أو انتماؤه لأي بقعة من بقاع أرض هذا الكون، إلاّ وقد عشق هذه المنظومة الكونية، التي تجلت حركتها في السكون في الصمت الذي يصور روعة الخالق، ليطلعنا على نور المغيب الأرجواني، وحبات الرمال الذهبية من أسرار وحكايات هذه الكون، الذي يحتوينا فنجد على سبيل المثال الفنان البولندي تيدوز أدكويتش "Tedeuz Aidukiewitch " في لوحته "هودج في الصحراء" والهودج هو هذه الخيمة التي تثبت على ظهر جمل، وتزف بها العروس وهي في طريقها إلى زوجها، هذا الفنان البولندي قد مثل عادة من العادات العربية الأصيلة، التي استوقفته ليتأمل لون الحكمة، في حبات الرمال التي تناثرت لتلقي ظلالها الضبابية، فتختلط مع زرقة السماء الصافية، في مشهد يستوقفنا، لنتأمل قصة ندر أن نشاهدها في وقتنا الحاضر من الزمان. من أعمال جليمور ونري العديد من لوحات الفنان السريالي "سلفادور دالي" وقد فضل أن يرسم مشاهدها المستلهمة من الصحراء، ونجد هذا واضحا في لوحته المشهورة "إصرار الذكراة " وأخرى "أشجار الصحراء" وغيرها من روائع دالي السريالية التي حملت معانى فلسفية عميقة، ودراسات تعكس طبيعة البيئة الجمالية، من ألوان يتناثر لون المغيب في دراجاتها، وهالات من نور تحتويها الصخور، ونجد في لوحة نفذت بالأسلوب الحديث "الفن الرقمي" للفنان جليمور " B.Gilmour " وقد استوحي موضوعها من لوحات دالي، التى تعكس عالم الصحراء اللانهائي، في حوار دائم صامت مع سكينة الصحراء، يروي قصة أشكال ووجوه تثري الخيال. وعديد من اللوحات تعكس حياة الصحراء، للفنان جين ليون جيروم " Jean-Leone Gerome "كلوحته المشهورة "رجل مع حصانه" وأخرى تحكي طبيعة أهل الصحراء، لتزود المتلقي بالجمال والمعرفة، كما نرى هذا الجمال وقد اتفق مع لوحات الفنان شارلز فرير" Charles Theodore frère" الذي عشق الصحراء، ورسم العديد من اللوحات عنها برؤية جمالية، وإدراك حسي مباشر وطلاقة في التعبير، حيث يتراءى لنا أننا في لقاء حي مع الشخوص والأجواء وحركات أقدام الجمال والخيل، التى رسمت بين السماء وسحب الرمال التائهة الهائجة كأمواج البحر، وكأنها ظلال تسرى في الكون. عشرات التشكيليين، إن لم يكن مئات منهم، نجد الصحراء وقد أخذت جزءًا لا يستهان به من إنتاجهم الفني، ولا يفوتنا ذكر "الفنانين المستشرقين"، الذين تركوا إرثا فنيا لا يستهان به من لوحات عظيمة الأهمية، تعبر عن الصحراء بقيمة جمالية واقعية، تعكس حياة سكانها وطبيعة مناخها بأشكالها المتميزة لوحات مغلفة بالجمال. انها الصحراء في أحداق الفنانين وخيالهم ووجدانهم وأحاسيسهم، انها الصحراء التي ذهبوا بريشتهم وأدواتهم الفنية في رحلات داخل مدائنها، باحثين عن الجمال والجلال عن الشروق والغروب، عن الليل والنهار، إنها الصحراء التي استمدوا منها لوحات تعزف شتى ألحان الروعة والجمال بالألوان. من أعمال تيدوز أدكويتش