سألت نفسي عندما شَممت نسمة غادية تسرّبت إليّ خلسة من موسم الربيع العربي الذي لم ينته بعد،وقطافه لازال على أغصان شجر المجهول، ماذا نريد؟! ماذا نريد نحن كمواطنين من أدنى الوطن العربي حتى أقصاه؟! باختصار ..نريد وطنا يستحقّنا! وطن شهيّ كقمر الصيف في ليلة الشتاء كما يقول الشعراء، وطن بهيّ يستحق بهاءنا وجميل يستحق جمال حبنا له يرتقي لانسانيتنا الرائعة،ويحمل أجنحة أحلامنا في فضاء يتسع لكل ألوانها الزاهية والداكنة، و»يطبطب» على كتفها ويحتضنها عندما ترى أشباح الكوابيس مترصدة لبهجتها خلف نافذتها. نريد وطناً بقلب أم،لا يهنأ له زادٌ إن كنا جياعا،ولا يتمتّع بعافية إن كان أحدنا عليلاً،ولا ينام قرير العين وفينا كسير القلب أو من يشعر بالظلم،يحتمل نزقنا،ويتجاوز شططنا،ويحنو علينا، وطن يُسعدنا بقدر ما نحب أن نراه سعيدا،ويحبنا بقدر ما نعشقه،ويكره موتنا بقدر ما نقدّس حياته،ويحتضننا بقدر العاطفة التي نحسّها تصهرنا بحضنه وطن كريم ونبيل مثلنا، يدلّل أمانينا ويعلّقها قناديل مضيئة في سقف لياليه الباردة، وطن يستحق نزف دمائنا،لأنه لم يرض قطّ نزف دموعنا،فعندما تنساب دمعة من بين أهدابنا يسارع بمسحها بأطراف أصابعه،أو بمنديل رحمته،أو يأخذ دمعة من دموعنا تلك ويلصقها تذكارا على طوابعه البريدية المعتمدة لذاك العام حتى لا ينسى. وطن يستحق أن نرضى الذل لأجل كرامته،لأنه لطالما رعى زهرة كرامتنا وصانها عن كل ما يجرّح نعومة حريرها، يستحق خوفنا عليه،لأنه لطالما سهر عند رؤوسنا أطراف الليل واناء النهار واضعا كمادات الماء على جباهنا عندما نصاب بالحمى،ولم تغمض له جفن حينها خوفا علينا، وطن يستحق عناءنا لأجله،يبادلنا الحب والمشاعر الوارفة، يستحق سور صدورنا،وذهب قلوبنا،ولهفة نبضنا،وصلواتنا لأجله،وماء مآقينا أن أخذت خطواتنا دروب الغربة عنه، يستحق أناشيدنا الموشّاة بالحمائم البيضاء في أعياده الوطنية وانتصاراته الصغيرة والكبيرة على حدّ سواء،وقصائدنا المنسوجة من غزْل الصدق لا رماد النفاق، يستحق عطر محبتنا الذي نفرك به أجسادنا ليل نهار من أجله،وجدائل نسائنا المخضبة بحناء الوفاء له،ولثغة أطفالنا اللذيذة حين ينطقون باسمه، وطن يستحق هذي المراعي المعشبة الشاسعة فينا،تملؤها الجداول العذبة والتي سوّرناها محميات خاصة لا يرعى فيها سوى أيائل حبه، وطن يستحقنا،وليس وطناً يسحقنا،لا يفلتر دم ضعيفنا ويسكبه شرابا سائغا في كأس قويّنا. وطن يؤمن أنه لن يكبر قيد أنمله إن بقينا صغارا،ولن يضيء مقدار قبس من شعاع إن حوصِرنا بالظلام،ولن يُزهر إن التهم المحل خضرة عروقنا، وأن قوته لن تتحقق بضعفنا،وغناه لن يكون بفقرنا،وأن سماؤه لن تكبر شبرا واحداً إن انتزع الريش من أجنحتنا،وأن أفقه لن يمتلىء بالأغاني أن أقفل نوافذ حناجرنا بالستائر الحديدية، نريد وطناً بقلب أم،لا يهنأ له زادٌ إن كنا جياعا،ولا يتمتّع بعافية إن كان أحدنا عليلاً،ولا ينام قرير العين وفينا كسير القلب أو من يشعر بالظلم،يحتمل نزقنا،ويتجاوز شططنا،ويحنو علينا، وطن يُسعدنا بقدر ما نحب أن نراه سعيدا،ويحبنا بقدر ما نعشقه،ويكره موتنا بقدر ما نقدّس حياته،ويحتضننا بقدر العاطفة التي نحسّها تصهرنا بحضنه، وطن نثق به ملجأً لنا إذا عزّ الملجأ،ويداً تمتد لنا إن تُهنا،وطوقا يسارع لنجدتنا قبل الغرق. وطن يملأ جيوب أطفالنا بالفرح والمسرات. وطن لا يقايض كرامتنا بلتر وقود،ولا حريتنا بالكهرباء،ولا مستقبل أطفالنا بكتاب مدرسي مسخ! وطن يؤمن أنه كما أن محبّتنا له واجبة علينا،كذلك محبته لنا واجبة وفرض عليه،وكما أننا لا نكون إلا به،كذلك هو لا يكون إلا بنا. عادة ما يكون الحديث عن وطن نستحقه،ألا يحق لنا ولو لمرة أن نتحدث عن وطن يستحقنا؟! وطن يأخذ صورة فوتوغرافية لأمنياتنا المذكورة أعلاه ويقارنها بملامحه ويحاول إيجاد الفروقات السبع،أو المتشابهات السبع إن وُجدت،أو أن يضع تلك الأمنيات في «check list» ويقوم بالمرور عليها واحدة تلو الأخرى ويقوم بشطب ما هو متوافر فعلاً فيه،ويعمل على توفير ما هو مفقود منها فيه، هذه الأوطان التي تضع شروطا ومعاييرا لمنح صفة المواطنه لمواطنيها،ألا يحق لمواطنيها أن يضعوا شروطا كي يقبلوها أوطانا؟!! نريد وطنا يستحقنا لأننا نستحقّ ذلك .