منذ افترقنا , تساقطت أوراق الأشجار ثلاث مرات .. وانعقدت أزهار الربيع ثلاث دورات .. وهاجرت الطيور البرية ثلاث هجرات .. وتحت المطر الشرس , أرى صورتك المغسولة على طول ثلاثة شتاءات ! ووداعنا المنقوش على أبواب ثلاث قارات ! الآن , وقد تمت دورة الفراق أستطيع أن أحبك حقا لأنه صار بوسعي أن أراك بوضوح , بعد أن أنجزنا معا قاموس الألم ومعجم الخطايا وابتعدت تماما عن مرمى النظر « غادة السمان «. يكفي أن يحبك قلب واحد لتعيش بالرغم من أن هذا القلب في مجموعة هيفاء البيطار كان قلب أم تناضل من أجل طفلها إلا أن الرمز الإنساني الذي بدت عليه إشارة « قلب واحد» كافٍ ليعبر عن المعنى البعيد لأن يحدث شيئا كهذا للإنسان ، أن تقتصر حياته على اكتفائه بالحياة لان هناك قلب واحد يحبه ، قلب واحد كفيل أن يمنح الإنسان حيوات جديدة، ، يكفي أن يبدد وحشة طرق الحياة الموحشة ،ووحشة وجوه الغرباء ، يكفي أن يبقي الحياة بلون أبيض وأن يبدل هزيمة الأقدار بانتصار حقيقي . ذلك ليس إلا سر الحياة ، وطريق لا يسلك إليه إلا العابرون إلى علة الوجود . ظل وسوف يظل الحب علة وجود وأحد أسرار الوجود الإنساني ، فهو يحدث في الروح بل يحل بها مثل الموت والحياة وبينهما تجترح الحكايا والأيام . فالحب أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك وان تنزف دماءك وأنت راض مغتبط, وان تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق، فتؤدي واجب الشكر ملتمسا يوم محبة آخر. وتذهب الفلسفة إلى تعريف الحب بأنه الأرواح الاكر المقسومة والتي تظل تبحث عن جزئها المفقود حتى تتوحد معه في حالة حب أبدي وحقيقي, وفي ماهيته يحدثنا د, مصطفى محمود في كتابه أناشيد الإثم والبراءة فيقول لو سألتم عن الحب أهو موجود وكيف نعثر عليه لقلت، نعم موجود، ولكنه نادر, وهو ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي وشرط حدوثه أن تكون النفوس خيرة أصلا جميلة أصلا، والجمال النفسي والخير هما المشكاة التي يخرج منها هذا الحب، ويضيف أنه لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب. فالحب يلهمنا ليس الحياة فحسب بل الاستمرار فيها والنيل منها مهما بدت هزائمنا ، فإنه لا يهزم قلب محب ولا يشوه السواد روح محب ، فالحب ملهم للبشر ، وصفاء للروح وحال كل العابرين إليه وعليه « يكفي أن يحبك قلب واحد لتعيش « نعم الحب ملهما للإنسان وهو من الهم ابن عربي كما الهم الكثيرين من المبدعين غيره - كتابة ديوانه الشهير ترجمان الأشواق حين أحب الفتاة الأصفهانية النظام بنت مكين الدين التي لقيها في مكة وكان آنذاك شيخاً كبيراً وعالما فالحب علة وجود . وأرقى أنواع الحب وأعظمها الحب الروحي الخالص وهو الذي تحدث عنه ابن عربي إذ يعتبر أن الحب هو أصل الوجود.. وهو أن تكتفى بقلب من تحب وطنا . وهنك الألم المدمر الذي لا يكابده إلا إنسان كأنما يراد خلقه مره ثانيه فيهدم ويبنى أو يراد تنقيحه فيغير ويحول ، فصهر لهب النار للحديد وزلزلة ضربات المعاول يراد بها إما خلق شكل جديد أو تغيره أو تحويله هكذا ألم الحب فلا يكابد ألم الحب إلا إنسان يراد خلقه مره ثانية فيهدم ويبنى فهذا هو المعنى الحقيقى للحب وإن لم يستشعر المحب هذا الهدم والبناء فليبحث لحبه عن مرادف آخر وليعلم عندها أنه يحيا حاله أخرى ليس لها وجود فى قواميس الحب.