تحول اهتمام الشباب في عالمنا العربي، وصيرورته طاقة تحرك المسارات وتعكس الاتجاهات، يدعونا إلى تعامل ناضج وواع ومكشوف معهم. تعامل لا يتجاهلهم، فيحنقوا، ولا يطاردهم فيتمردوا، ولا يحاصرهم فروح الشباب وحيويته لا تعرف الحصار ولا تقيم للموانع وزنا. يفرض الواقع القائم عربيا على العقلاء من أصحاب القرار وغيرهم ضرورة البحث عن قنوات اتصال مفتوحة وصريحة مع هؤلاء الشباب لمعرفة آمالهم وآلامهم، ما يريدون وما يرفضون، ما يزعجهم وما يبتغون. ربما تكون مزعجة بعض صفحات الفيس بوك التي يرتادها الشباب ويحمّلونها ما يختلج في صدورهم من هموم وقضايا وتطلعات، فنراها جرأة في بعض الأحيان أو خروجا على المألوف في أحيان أخرى، ثم نندفع للتعامل معها بوحي هذا الانزعاج ومستلزماته. دعونا نفكر في تغيير أساليبنا ونظرتنا لما حولنا مع تغيرات الزمن، وتبدلات العالم، واختلاف أمزجة الناس، ومع صعود طاقة الشباب الهائلة التي لا تقبل التنميط بل تسعى نحو التجديد والتغيير: 1/ ربما كان حجب المواقع التي تحمل رأيا حرا وصريحا وخارجا عن المألوف هو الوسيلة التي اعتادها العالم العربي، وكان وسيلة لها من يهضمها في سالف الأيام، وحتى جيل الشباب في الأيام الخالية كان يتحمل هذا التصرف، لكننا اليوم أمام واقع جديد، وهو أن الحجب تحول إلى عنوان من عناوين العداء والمبارزة، وهذا ينمي حالة من التحدي في أبناء هذا الجيل، وقد يتمدد هذا التحدي ليدخلنا في متاهات كلنا في غنى عنها. ليس أمام الحريصين على أوطانهم سوى قبول الأساليب وتغيراتها، وتجرع مرها في سبيل الحفاظ على السلامة العامة والاستقرار الذي ينشده الشباب وغيرهم.2/ لقد تعرض الكثير من أصحاب المدونات في عالمنا العربي للملاحقات والمضايقات وصودرت حرية بعضهم وانتهكت كرامته، وكان بإمكان أصحاب القرار في عالمنا العربي أن يتعاملوا بشكل مختلف، بأن يستمعوا ويتابعوا ما يهمهم من المواقع والمدونات وصفحات الفيس بوك ويعتبرونها بمثابة المجسّات التي تكشف لهم المزاج العام ، وتطلعهم على الساحة بدون أقنعة ومجاملات، مما يجعلهم في جوهر طريقة التفكير التي تراود عقول الشباب، وفي قلب الهواجس التي تختلج في صدورهم، وفي تصور تام للمبتغيات التي يودون المضي نحوها. 3/ لكل بلد هناك آلية متعارف عليها ومستخدمة بشكل من الأشكال، وضمن حيز ونطاق ما من أجل توصيل المطالب والآراء والتصورات، ويبدو أن الاقتصار على تلك الآليات واعتبارها المسلك الوحيد هو ضرب من الغفلة والانفصال عن أجيال الشباب الفاعلين في مختلف الساحات، فالزمن له أحكامه، واختلاف الأجيال له أثره في تجدد الأساليب واستحداث غيرها. صحيح أن بعض أساليب الشباب وطرقهم في الحديث والتعاطي توجب عند الجيل السابق نوعا من الانقباض والتوتر، لكن الصحيح أيضا أن أساليب الجيل السابق تستدعي حالة النفور والتمرد بأعلى درجاتها في نفوس الشباب، وليس أمام الحريصين على أوطانهم سوى قبول الأساليب وتغيراتها، وتجرع مرها في سبيل الحفاظ على السلامة العامة والاستقرار الذي ينشده الشباب وغيرهم. إن الاستعداد النفسي لقبول هذه الأساليب كنوافذ جديدة في التواصل بين مختلف شرائح المجتمع وجهات القرار في العالم العربي سيساعد الجميع في القرب والفهم والمساهمة في اجتراح الحلول.