شباب إيران كان وقود «الثور الإسلامية» بالأمس، وهو وقود «الثورة الإصلاحية» اليوم إن صحت تسمية احتجاج الإصلاحيين بالثورة ، والفارق بين شباب الأمس واليوم يكمن في الأدوات التي استخدموها للتعبير عن غضبهم وسخطهم، وإذا كانت وسائلهم وأدواتهم في الثورة الأولى قد اعتمدت الكاسيت والمنشور، فقد أصبحت في الثانية ترتكز على الفضائيات والإنترنت والتويتر والفيس بوك والمدونات وغيرها من منتجات التقنية والاتصال الحديثة التي يتعلمها ويتقن التعامل معها الشباب قبل غيرهم ممن اعتادوا الوسائل القديمة وأدمنوها. الخيار الإيراني في التعامل مع الشباب اليوم اقتصر على الحجب والتعطيل والملاحقة والعقاب، حجب المواقع الإلكترونية وتعطيل خدمة الإنترنت برمتها أحيانا، وملاحقة الشباب المشاركين في نقل ما يجري في إيران للعالم بعد محاولات السلطات اليائسة للتعتيم عليه، وأخيرا الإصرار على معاقبة من شاركوا وتفاعلوا مع الأحداث من الشباب، وهذه جميعا طرق حكومية قديمة وبالية ولا يمكن أن تجاري طرق الشباب الحديثة والمتقدمة، ذلك أن الماضي لا يستطيع القضاء على المستقبل فضلا عن وأده. بالمقابل، شباب العالم العربي منخرطون كأضرابهم في إيران في كل وسائل العولمة والاتصال الحديثة، ومشاركون فيها بفاعلية ونشاط، ولهم بعض الأدوار الفاعلة، غير أن التعامل معهم من قبل السلطة حتى الآن ومع بعض الاستثناءات لم يزل واعيا وساعيا لمجاراتهم وفهمهم والتواصل معهم بأساليبهم وآلياتهم، فرئيس الحكومة الاتحادية في الإمارات يضع موقعا إلكترونيا للنقاش مع كافة فئات الشعب والمقيمين بشكلٍ مفتوح، وفي عالم الفيس بوك نجد مثالين على هذا التعامل المختلف في السعودية ومصر، في السعودية: يسجل وزير الثقافة والإعلام باسمه ويدخل في حوار مباشر مع الشباب ويجيب على أسئلتهم ويتعاطى مع أفكارهم وطروحاتهم وقد قال لي في حوار معه على الفيس بوك: «لن أتمكن من العمل إلا إذا ما وقف الشباب والمثقفون بجواري»، وفي مصر يدخل جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم ونجل الرئيس مبارك في حوار مع شباب الحزب عبر الفيس بوك، وتطرح فيه جميع القضايا حتى قضية التوريث التي أصبحت في السنوات الأخيرة شغل شباب مصر الشاغل. ثمة مشتركات كبرى تجمع جيل الشباب منها مشتركات الزمان والمكان وهي ذات أبواب مفتوحة على مصراعيها لكل طالب معرفة وناشد معلومة، ومنها المشتركات الثقافية والسياسية ونحوها، وهي مشتركات ذات معنى دون شك، فهي تشير إلى المشترك الذي بدأ يتشكل ويفرض نفسه كواقع جديد على العالم الحقيقي، وعلى العالم الافتراضي بدرجة أكبر، وماهو افتراضي اليوم سيكون حقيقيا غدا. إن ثمة افتراقات بين هؤلاء الشباب تعمل بالتوازي مع المشتركات، أما الافتراقات والاختلافات وهي أكثر من الكثيرة فهي بحاجة لمتخصصين يسعون عبر الجهد البحثي والعملي إلى رصد أقل الفروق وأدنى الاختلافات ليمنحوا كل منطقة صغيرة هويتها وشخصيتها وبالتالي طبيعة الشباب فيها. يعاني الشباب عادة من مشاكل متعددة منها مشكلة النمو السريع والتحول من حال الطفولة إلى حال الاكتمال الإنساني رجولة أو أنوثة، وأكثر ما يشغلهم حينها هو البحث عن الشخصية المستقلة والتميز عن الآخرين، بأي طريقٍ وأية وسيلة وأي أسلوب، ويعانون هم وتعاني منهم أسرهم وربما تعاني منهم دولهم إذا كان حجمهم الأكبر بين الشرائح المجتمعية كما هو الأغلب السائد في دول العالم الثالث، ومنها دول المنطقة. المسؤول عن فهم إشكاليتهم مع أنفسهم ومحيطهم هم علماء النفس والاجتماع ونحوهم، والمسؤول عن فهم إشكاليتهم مع أسرهم هم علماء التربية وأشباههم، والمسؤول عن فهم إشكاليتهم مع دولهم هم علماء السياسية والثقافة والتخطيط ونحوهم، غير أن الثابت هو أن الشباب على الدوام هم برسم التمرد إيجابيا كان أم سلبيا، ونزق الشباب واندفاعه يوصله لارتكاب شيء من النزوات والحماقات وفي الحديث «إن الله ليعجب للشاب ليست له صبوة»، وفي الشعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة ونتيجة لهذا كله وهذا موضع الخطورة فهم برسم الاستغلال والتوظيف لأهداف واستراتيجيات سياسية ودينية قد تكون بعيدة كل البعد عما ينفع ويفيد ويبني. في أوقات الأزمات والاضطرابات كثيرا ما يكون الشباب وقودا لأي احتجاج ونارا لأية فتنة، كما أنهم بالمقابل وحين تحسن رعايتهم هم محركات التنمية وبناة الرقي الذين لا يكلون ولا يملون، والفرق يكمن في تميز التربية والتعليم وانفتاح الجو العام مع حسن الرعاية وجودة الإدارة التي تمكن مجتمعة من التعامل معهم التعامل الأمثل. جيل «الفيس بوك» في إيران يشبه أقرانه في مصر، فقد استطاع الشباب تحريك الشارع، واستطاعوا التعامل مع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بكل ما استطاعوا لتوضيح موقفهم تجاه من يعتقدون أنهم ظالمون لهم، أو ما يحسبون أنه ظلم واقع عليهم، كما أن جيل «التويتر» في إيران يشبه نظراءه في العالم العربي، فالفيس بوك والتويتر واليوتيوب والمدونات وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة هي مجال رحب لتحرك الشباب وحدائق غناء يبذر فيها الشباب ما شاءوا من الأشجار ويقطفون ما أرادوا من الثمار، فعلى من يسعى لقيادتهم وتوجيههم أن يفهمهم أولا، فالقائد لا يقود جماعة بشرية في المريخ على سبيل المثال، بل يقود مجتمعه وشباب وطنه بعد أن يفهمهم ويحسن التعامل معهم. في أغلب الأوطان العربية نجد نماذج لهؤلاء الشباب المنخرطين بكل ما أوتوا في العولمة ومفاهيمها وأدواتها، ونجدهم يتحدثون بعيدا عن جميع أنواع التابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية، إنهم يتحدثون براحة تامة وأحيانا بانتشاء عن قناعاتهم ورؤاهم بل وأخطائهم كذلك، وهم غير عابئين بالتبعة، وأحسب أن إحسان التعامل معهم بعد فهمهم أفضل من اتباع طريقة العقاب لبعضهم لأنها قد تزيد أعدادهم وعنادهم في مقبل الأيام. الحال لدينا جيد بالمقارنة مع إيران ولكن هذا لا يجب أن يجعلنا نغفل عن الوجه الآخر للقصة، وهو أن لدينا تحكم عال ورقابة شديدة على الإنترنت وهي رقابة ذات شعب، ومن آخر ما أشار لهذا ما جاء في دراسة أجرتها «أوبن نت أينيشتيف»، وهي كما جاء في بعض الصحف العربية مشروع مشترك بين جامعات تورنتو (كندا) وهارفرد (الولاياتالمتحدة) وكامبريدج وأكسفورد (بريطانيا)، مضمونه أن الرقابة على الإنترنت تزداد في منطقتنا مع استخدام تقنيات متطورة للتحكم بالنشاطات على الإنترنت أو مراقبتها. الشباب شعاع الغد المشرق، وضياؤه الأخاذ، وهم من سيحمل على أكتافه بناء المستقبل، فالمستقبل لهم، وخيار الدول معهم إما أن يكون في فهمهم ورعايتهم والسعي لتوجيههم التوجيه الأصوب، وإما أن يكون تجاهلهم ومعارضتهم ومن ثم الاصطدام بهم في قابل الأيام، والعاقل خصيم نفسه ولم تزل خياراتنا بأيدينا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة