لا تخلو جدران حارة من الحارات في السعودية من خربشات تعكس وعي ولا وعي الشباب، أو ما يُصطلح عليه بالجرافيتي Graffiti. كما يُلاحظ اختيارهم شوارع وباحات في مختلف مدن المملكة لتحويلها إلى فضاءات للرقص الأكروباتي البهلواني المعروف باسم بريك دانس Breakdance. وفيما يتكاثر عدد ( الرابرز ) Rappers أي ذلك الفصيل المفتون بأداء أغاني الراب Rap يصعب تصور اجتماع شباب أو شابات في مناسبة فرائحية دون حفلات ال «دي جي DJ» التي تقوم على مزج الأغاني من خلال التلاعب بالأقراص الموسيقية. تلك العناصر الأربعة ( الجرافيتي، والبريك دانس، والراب، والدي جي) هي ركائز حركة الهيب - هوب Hip-hop، التي تولّدت عند الغربيين كامتداد لفنون الشارع، وكحركة احتجاجية ضد منظومة من القيم الاجتماعية والفنية، فالجرافيتي الذي صار ملحوظاً بشكل أفضل في مدننا على جدران الصالات الرياضية وورش السيارات، هو التعبير البصري التشكيلي للحركة. كما تُترجم الروح الإيقاعية للحركة من خلال رقصات إيمائية طافحة بالنشاط واللياقة. أما الراب وال «دي جي» فهما عنوان الحركة الموسيقية وروحها. ولا شك في أن سمعة هذه الحركة بالسعودية على درجة من السوء، فكل من ينتمي إليها أو يروج لها من وجهة نظر المجتمع مجرد جماعات طائشة ومنحلة، ولا علاقة لهم لا بالفن ولا بالأدب، فالهيب هوب من هذا المنظور، تعبير عن الشوارعية في المقام الأول، الأمر الذي يُفصح عن تعقّد العلاقة والتباسها بين الحركة التي تتخذ من الشارع حاضناً لها، وبين النسيج الاجتماعي، المعني على الدوام بتحصين نفسه ضد أي قيمة خادشة، لذلك صار قدرها التهميش، أو إعلان الحرب عليها كما حدث قبل فترة من قبل البلديات في مطاردة أشهر البخّاخين بتهمة تشويه المدن، وكذلك سجن بعض الرابرز، واستتابتهم، بجريرة هتك قدسية المجتمع. ولئلا تتنامى هذه الحركة في الخفاء وتقترن بكل عناصر الإثم والجريمة، كما يحدث الآن ينبغى الإسراع في استيعاب تلك القوة الشبابية، ودمجها في برامج الإحياء الثقافي التي تعكس السياسات الوطنية، القائمة على التعاطي مع كافة أشكال التنوع الثقافي، والتفاعل مع العصري، فهذا هو الكفيل بتحويل العنف الاجتماعي إلى قيمة جمالية، والاستفادة من هذه الموجة البشرية في التحول السلمي الاجتماعي.ومن الوجهة الفنية لا يُنظر إليها إلا من ناحية نواقصها الجمالية، وعدم اكتمال أدواتها ومنظورها الفني، ولا يتخيل أحد أن تتمكن الحركة من زحزحة الأغنية التقليدية عن مواقعها، ولا أن تخدش مكانة اللوحة التشكيلية، رهاناً على ثبات المزاج وصرامة التقاليد الاجتماعية والفنية، وأن المؤسسة الرسمية لن تسمح لها بالحضور في منابرها، والاشتراك في مناسباتها الثقافية، رغم كونها أحد إفرازات ثقافة ما بعد الحداثة، التي تجاوزت ثقافة النخبة، وأقرّت الأشكال الأدائية الشعبية والسوقية أيضاً. هذه الحركة الشبابية الاحتجاجية الآخذة في النمو والاتساع، حتى الآن مجرد صدى لما يحدث في الغرب، إذ تقوم على تفعيل الوعي الهدّام Subversive، باحتلال الأرصفة والباحات والفضاءات الاجتماعية، وإعادة الاعتبار لجانب من الفنون الشعبية، مع اجتهاد واضح لتجاوز مستوى الطيش والهواية إلى حالة من الاحترافية الفنية التي قد تتجاوب مع متطلبات المجتمعات المعاصرة، من خلال إنتاج نصوص غنائية وبصرية أشبه ما تكون بشعارات واستغاثات وتهويمات، حيث يمكن التقاط شواهدها على الجدران، وزجاج السيارات وفي الملاعب الرياضية، وكذلك في مقاطع اليوتيوب الكثيرة. وقد لا ينتبه المجتمع، والمؤسسة الرسمية إلى وجود أولئك، إلا في المناسبات الوطنية والرياضية، عندما يحتلون الشوارع ويعيثون فيها خراباً وتدميراً، وهذا مؤشر كمي تقابله مؤشرات نوعية أكثر وعياً وفناً، كما حدث - مثلاً - في حلقة Arabs Got Talent عندما ثارت فرق الراب الكثيرة القادمة من السعودية للاشتراك في البرنامج وأعلنت احتجاجها على عدم استيعاب اللجنة المحكّمة هذا اللون الفني، وأقاموا ما يشبه التظاهرة للتعريف به. ولئلا تتنامى هذه الحركة في الخفاء وتقترن بكل عناصر الإثم والجريمة، كما يحدث الآن ينبغى الإسراع في استيعاب تلك القوة الشبابية، ودمجها في برامج الإحياء الثقافي التي تعكس السياسات الوطنية، القائمة على التعاطي مع كافة أشكال التنوع الثقافي، والتفاعل مع العصري، فهذا هو الكفيل بتحويل العنف الاجتماعي إلى قيمة جمالية، والاستفادة من هذه الموجة البشرية في التحول السلمي الاجتماعي. [email protected]