لم تعد مسألة تصدير المنتجات ذات الطابع الاستهلاكي مجرد عملية اقتصادية تقوم على قاعدة التصدير والاستيراد ثم الاستهلاك البشري، وإنما تجاوزت ذلك إلى مرحلة أكثر تعقيدا يمكن تسميتها بثقافة المنتج، ومثالها يتضح مع سلسلة مطاعم الفاست فود الأمريكية التي تنشر فروعها في أنحاء العالم ولم تخل حتى إيران والصين منها رغم موقفهما السلبي المعلن ضد كل ماهو «أمريكي»، ورغم ذلك لم تخرج هذه الممانعة أمام نفوذ المنتجات الأمريكية المعتمدة على عنصرين أساسيين: إدمان المنتج وإعلان الولاء غير المباشر لتلك «الماركة» التجارية، وأصبحت تلك المنتجات تحمل لغة عالمية لا علاقة لها بالدين أو اللغة أو العرق، فالكل يجتمع على لغة واحدة متداولة تحت أي سقف من تلك المطاعم، فإن سافرت إلى فرنسا أو روسيا أو المكسيك فلن تتداول على طاولة المطعم الأمريكي إلا المنتجات التي ترددها في بلدك ويرددونها في بلدانهم، فيتجاوز «البيج ماك» أو «الكولا» تعقيدات اللغة وتصبح ثقافة «المنتج» هي المسيطرة على الجميع. مثال آخر: ثقافة «الهيب هوب» التي نشأت في الأزقة الخلفية لشوارع برونكس في نيويورك كحالة اعتراض من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية على الفقر والاضطهاد والتمييز وإثباتا على حالة التمرد والإصرار، وكانت بداياتها تحريضية ضد البيض والمرأة ورجال الشرطة، أنتجت حتى الآن أنواعا من الفن المتدوال عالميا كالراب والدي جي والبريك دانس، وتجاوزت الرسالة الأساسية بكونها لغة اتصال للسود في أنحاء أمريكا، إلى شكل عالمي يؤدي بنفس الطقوس: لباس البيسبول الفضفاض الواسع وحركات اليد والقبعات والربطات... وحتى بنطال «طيحني» مع فارق الهوية، ولا يخلو أي بلد في العالم من وجود عدة فرق تمارس الهيب هوب بنفس الرتم والإيقاع وحتى في النطق المستلب للغة الإنجليزية وتحويل حروفها ومخارجها، التي أوجد «الرابرز» في فنهم لغة جديدة نشروها في محيطهم ومن ثم العالم، ألم يحولوا نطق «ذا» إلى «دا»؟. فهل أصبح ضروريا أن تخاض الحروب وتسفك الدماء من أجل تصدير ثقافة المحتل؟.. هيمنة هذا العصر هي: فكرة ومال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة