في ظل أنفاس رمضان التي تحرك النفوس التقية إلى الإسهام في كل خير، حُبست الأنفاس في انتظار لحظة الوصول إلى (ثلاثين مليون ريال)؛ لفداء رقبة شاب من (القصاص)، في فترة قصيرة جدًا تدفقت أنهار من الأموال إلى مصب واحد؛ لإحياء نفس مسلمة، {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}. في كل موقف يدلل مجتمعنا السعودي العظيم على أنه (كريم) حدَّ الأساطير، (وفيٌّ) حدَّ الإبهار، (متكاتف) حدَّ الالتحام، وأنه يمثل (أسرة) واحدة، ليس شرطًا أن أعرف فلان بن فلان لأساعده، بل يكفي أنه ابن ديني، ويحتاجني، هذا كل ما أحتاجه لأجد نفسي معه كالبنيان المرصوص، وما وقفات الشعب مع قيادته التي تعود منها أن تسبقه، في حملات التبرع لكل النكبات التي مرت بالعالمَين العربي والإسلامي، إلا دليل على أننا شعب نحظى بأصالة في النبل والعطاء، وأنها سجية وطبع، رسخها دين جليل، يجعل الفرد جوهرة في قلادة، ليس فيها إلا الألماس. في كل موقف يدلل مجتمعنا السعودي العظيم على أنه (كريم) حدَّ الأساطير، (وفيٌّ) حدَّ الإبهار، (متكاتف) حدَّ الالتحام، وأنه يمثل (أسرة) واحدة، ليس شرطًا أن أعرف فلان بن فلان لأساعده، بل يكفي أنه ابن ديني.كل فرد في المجتمع له قيمته الكبرى، التي لا يمكن أن تقاس بالمال أبدًا، كيف والله تعالى يقول: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، ولذلك شرع القصاص ليكون حياة للناس؛ يردع به من سوّلت له نفسه قتل أخيه، ومنعًا من دوامة الثأر، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}، وإنما شرعت الدية لتكون جزاء يجمع بين العقوبة والتعويض، ففيها من الزجر والردع ما يكف الجناة، ويحمي الأنفس، وفيها من جهة أخرى تعويض لما فات من الأنفس أو الأعضاء بالمال الذي يأخذه المجني عليه أو ورثته؛ وقد يكون فيهم من قطع القتل مصدر رزقه كالأولاد القصّر. وكانت مشاهد العفو لوجه الله تعالى تتكرر في المحاكم ومجالس الأمراء وشيوخ القبائل؛ لتؤكد سماحة النفوس، والحلم، وتقدير الرجال للرجال، وأعظم من ذلك كله رجاء ما عند الله تعالى من الأجر العظيم، ولا تزال بفضل الله تعالى. ولكن أطلت في السنوات المتأخرة ظاهرة سلبية سيئة، هي العفو المقرون بطلب الدية أضعافًا مضاعفة؛ حتى تخرج عن كونها دية محددة شرعًا، إلى ما يعجز عنه أولياء القاتل لو باعوا بيوتهم وسياراتهم بل وثيابهم، وكأنه شرط تعجيزي، يُلجِئهم إلى طلب المساعدة من الناس، حتى وصلت الحالة الأخيرة إلى ثلاثين مليون ريال!! إنني أستبشر حقًا بما تحقق من إنجاز أعظم من جمع المال، وهو تصاعد أضواء نوافير الخير والبذل الخفي من أجل الله تعالى، في وسط ظلام المادية التي تكتنف أجواء العالم. ولكني مستاء جدًا من تنامي هذا التوجّه المادي الخطير في فداء المحكومين بالقصاص، والذي يشبه الاتجار بالبشر، أو هو كذلك، وأتمنى أن يجتمع لهذا الأمر أهل الحل والعقد، ويتدارسوا الواقع والمحتمل في ظل القواعد الشرعية؛ فإني أخشى أن تكون هذه الأموال هدفًا فيما بعد ويُخطط لها .. من يدري؟