قليلة هي الشعوب التي ترى وتدرك عمق الرابط بينها وبين قيادتها. ونادرة هي الشعوب التي تحس، بكامل إرادتها، وبوعيها، أن رمزها، جزء منها، ومن كينونتها. لهذا، يكون الحديث عن مثل هذه التبادلية العميقة، إشارة لواحدة من أهم خصوصيات العلاقة بين نظام الحكم السعودي، وبين الشعب، وهي الخصوصية التي ترتكز على المواطنة، بواجباتها وحقوقها، بين الحاكم والمحكوم. الاستقبال الحاشد، والفرحة الشعبية العارمة، بوصول المليك القائد، إلى أرض الوطن، بعد رحلة علاجية، كللت بالنجاح، ولله الحمد، مثَّلا معلماً من تلك المعالم شديدة الوضوح، والتي يحق لنا جميعاً أن نفخر بها على هذه الأرض الطيبة.. منذ تأسيس كينونتنا الوطنية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، «يرحمه الله». هذه الكينونة، بجميع ملامحها وتباشيرها، هي التي فرضت مثل هذا الأساس ومثل هذا الوعي، ومثل هذه المشاعر العفوية والتلقائية، التي لا تعرف رشوةً ولا أجراً.. فالمواطن الذي خرج على طريق المطار، شريك في الفرح الذي لوّحت به امرأةٌ على جانب الطريق، وبنفس قوة الأمل التي دفعت طفلاً ليحمل العلم السعودي مرفرفاً فوق يده الصغيرة. تلك الصورة غالية القيمة جداً، هي التي تقدّمت المشهد السعودي العام في الأيام الماضية، وينبغي أن تظل متقدّمة للصفوف، وفقاً لدلالتها القوية، ذلك أنها ارتبطت بصورة الملك القائد، ليتحوّل الجميع إلى رمزٍ عام، وبوتقة مهمة للغاية، يهمّنا أن تترسخ وتتجذر وتتأكد، في الوعي الاجتماعي، كشهادة اجتماعية لها دلالتها السياسية لا العكس. فالشعب الذي عبّر عن انتمائه، لمليكه، هو نفس الشعب الذي عزّز قيمة المواطنة، من منظورها الأفقي في المدن والقرى والهجر، لتصعد عبر كل المؤسسات والشرائح والتيارات، لتتلاقى عند القمة، الأمر الذي يجعل منها حالة شعبوية اختيارية، لا حالة شعوبية مفروضة. لو قُدِّرَ للملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن يجد مثل هذا الاستفتاء الرائع عليه حتى في أشد لحظات المرض، لما وجد مثل هذا الحب، ومثل هذا القلق، ومثل هذا الفرح الطاغي بالعودة السالمة، ولو قُدِّر لزعيم أن يبحث عن صندوق شعبي آخر، لما وجد مثل ما يلقى عبدالله بن عبدالعزيز، من صناديق فرح في قلوب شعبه، الذي أحبه، والتف حوله، وبارك عودته، وآزر خطواته. إنه الاستفتاء الأروع، الذي يقل نظيره في أي مكان وأي زمان.