الأهلي يهزم الرائد بثنائية    خيسوس: الهلال يثبت دائمًا أنه قوي جدًا.. ولاعب الاتفاق كان يستحق الطرد    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جازان: إحباط تهريب 200 كغم من القات    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    لحظات ماتعة    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في سبعة أيام
نشر في اليوم يوم 26 - 07 - 2012

عبقريةُ قائدٍ عسكريٍّ عظيم: عندما انتهت معركة «أحُد» مساء يوم السبت 7شوال السنة الثالثة من الهجرة والموافق الثالث والعشرين من مارس 625م نام المسلمون منهكين، وقد كثر فيهم النازفون والجرحى، ناموا مع خوف جاثم أن يُغِيرَ المكيّون المنتصرون على المدينة. كانت ليلة من أشد الليالي وأثقلها، استيقظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فجر اليوم التالي وصلى ثم أعلن أنه سائرٌ لِلّحاق بالأعداء. وطبعا تلاحق به أصحابُه وكان أكثرهم ليعجزون عن المشي من شدة النزف وإلحاح الجراح، وساروا في أعقاب المكيّين حتى أدركوهم ليلا عند منطقة اسمها «حمراء الأسد»، وقبل ذلك كان الرسولُ قد أمر أصحابَه بأن يجمعوا كل ما يستطيعون من حطبٍ أثناء السير. أمر النبيُ محمد- صلى الله عليه وسلم- بأن يُجمع الحطبُ أكواماً ثم توزع الأكوامُ في السهل، وأمر بإشعالها نارا تلتهب. تناثرت الأكوامُ المشتعلة باضطرام عبر السهل الواسع، ورآها البدوُ الرحل وراحوا منبهرين مرتعدين يخبرون المكيين وقد عسكروا بعيدا عن موقع النبي وصحبه، بصوتٍ واحد: «إن محمدا وصحبه قادمون إليكم بجيش لجِبٍ.» لم يفكر المكيّون، فبالساعة ارتاعوا وعجّلوا بطيّ خيامهم، وعادوا لمكة ناكصين.. بعد أن كانوا يريدون الاستيلاء على المدينة.
اليوم الثاني
اللغة السواحلية
يسألني الأستاذ عبدالله العماني المحاضر بتاريخ اللغات ويقول: إن الساحلية منتشرة ومعروفة، ولكن يريد تاريخها «الألسني»- أي اللغوي- وكيف نشأت وتطورت. ونقول له وصلت خيرا ،لطالما سمعت عن السواحلية من خبير مُحب للغات وهو العم أحمد الزامل- أطال الله بعمره- ولطالما تناقشنا حولها، واستهوتني من صغري بحكم ولعي باللغات، كما كان العم «خميس العماني» ونحن أطفالا صديقا حميما للخال ابراهيم الصالح السحيمي ويتحدث بها أحيانا مع رفيق عماني من زنجبار يعمل مع جيران الخال في حي العدامة، ولي أذن لاقطة للغات فحفظت بعض كليمات. ولما ذهبت برحلة لا تنسى مع حبيبنا الأشم رفع الله عنه الدكتور عبدالرحمن السميط إلى تنزانيا وزنجبار ،كنت أهتم بالتحدث فيها – رغم هُزال حصيلتي- وأقرأ لوحاتها المتناثرة بالذات في جزيرة زنجبار التي مازال يطغى عليها أثرُ الوجود السلطاني العماني، يوم كان العمانيون ملوك بحر العرب من شرق أفريقيا لسواحل الهند بلا منازع، إنما أزعجني أن اللغة نشأت بلا حروف ولا قواعد ثابتة، كُتِبَت أيام عهود العرب العمانيين بالحرف العربي ثم جاء المستعمرُ البريطاني وبالذات مستشرق مبشر كنسي وأعاد كتابتها بالحرف اللاتيني، ولكن تحمل بقلبها كلمات كثيرة من العربية ومن لغات قبلية أفريقية. أعطيك مثلا :
Tumwe Ukifika Zinji
Zinji la mawana Aziza
Wambile waje kuwa unji
Unji tutwatatpunguza
Hawatatupiga msinji
إلى آخر القصيدة. وترى فيها من الوزن العربي النبطي السائد في جنوب الجزيرة العربية الشرقي وكلمات عربية مثل «زنجي» و»عزيزة».. و»زنجيZinji» تعني أفريقي و”عزيزة Aziza» تعني الانتصار. وهي من قصيدة ذكرها بحث للدكتور محمد عبدالغني درّس قديما بجامعة الكويت. إن القصيدة العصماء التي ذكرتها لك أستاذ عبدالله من نظم شاعر ممباسي كبير محتجا ومستنخيا ضد عزم الزنجباريين (العمانيين) غزو «ممباسا»، وهي من أشهر قصائد اللغة السواحلية. وكما قلت لك يا أستاذي هذه اللغة نمت مع الزمن بتوليفة من لغاتٍ أفريقية، وهندية، وفارسية، وشابتها فرنسية وإنجليزية وبلجيكية وبرتغالية، إلا أن القدح الأعلي في مكوناتها كان وما زال للعربية.. أعطيك أمثلة قليلة من فيض كثير. (عافية Afya) (فرس Farasi) (حديثHadithi ) (عسكري Askari) (الفجر Alfagiri) يتحدث السواحلية الآن أكثر من 70 مليون أفريقي في أفريقيا الوسطى وبين ساحلي المحيط الأطلسي وبحر العرب وربما أكثر بكثير كلغة أم. ومن هذه الدول كينيا وتنزانيا وزنجبار وممباسا ومافيا وجزر القمر.. ولست متأكدا في الحقيقة من مدغشقر، مع علمي أن السواحلية منتشرة بها على الأقل من المترحلين من القارة الأفريقية وجزر القمر.
اليوم الثالث:
«إلاّ عقلي!»
أ- العالم: جيوردانو برونو:
ليس كوبرنكس في عصر النهضة من بدأ وقال: إن الأرض مستديرة وليست مسطحة، بل قالها: «بيتاجوراس» الإغريقي قديما، وأنكر قومه عليه قوله، ولكن لم يعاقبوه، لماذا؟ لأن التزمّتَ الديني يحجر على العقل ويضيق الزمان، بعد مئات السنين، لمّا تحكّمت الكنيسة وتسلّط رجالها ورهبانها تأخر العلم والمنطق التجريبي واحتكر الكهان كل أمر وعلم ورأيٍ لهم وحدهم ،فعاقبوا كوبرنكس، وجاليليو. كان برونو مثلهم كهنوتيا من رجال الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ولم يعجبه «كالفن» المتشدد الذي سمى نفسه مصلحا دينيا لتشدده وتعصبه، ورفض أن يدخل في صراع مع الطرف الآخر؛ الطائفة البروتستانية. ثم اتجه لعلوم الفلك راضيا متحمّسا، وعشق الأجرام السماوية وقاس ظلالها وتباعدها، وأثبت صحة كروية الأرض وأنها ليست مركز الكون إنما جرمٌ من أجرامٍ أخرى تدور حول الشمس، فهاجت الكنيسة وماجت. وسلمه صديقٌ خائن لمحكمة التفتيش الوحشية الإيطالية وعذبوه ولم يتزعزع كما فعل «جاليليو» من بعده.. ولم يرض أن يُنزل رأسَه لحراس الكنيسة بل قال لهم بشجاعة العالم المؤمن: «فخرٌ لي أن يعيدني لخالقي فخورا مجموعةٌ من الوحوش الجهلة مثلكم.»
2- المكان: ميدانُ الأزهار، روما عام 1600:
يجرّ رجالٌ غلاظ رجلاً صغيرَ القامةِ ضعيف الهيكل منطفئ اللون، والجماهيرُ تمطِرُه بالسباب واللعن وترميه بالحجارة، وحوله يتجمع رجالُ الكنيسة يحثونه على الرجوع عن آرائه العلمية حتى يطلبوا له الغفرانَ الإلهي، وربما النجاة من العقاب الذي يواجهه تلك اللحظة، فيرفع إصبعَه مشيراً إلى عقلِهِ ثم يحركه مشيراً بالنفي، أي: «يقول عقلي: لا!». ولم تفلح الجهودُ، فعُلِّقَ وشبَّت في جسدِه النارُ، ورفع إصبعه ليشير إلى ذهنه «إلا عقلي لن تحرقوه» وهو يتحولُ جمرا ثم رماد عظام. إنه رجلٌ نقف له تقديرا، ويقف له التاريخ.. وتقف له الإنسانية.
3- المكان: نفس الميدان «ميدان الأزهار»، بعد 300 سنة، روما عام 1889:
يقامُ تمثالٌ للفيلسوف والعالم الكبير «برونو»، تقديراً له، لأنه من الذين علّموا العالمَ احترام حرية الفكر.. نفس المكان الذي أُحرِق فيه.
اليوم الرابع
شيءٌ من طبّ الجسد والروح:
وصدقوني.. هذا موضوع يهمكم. إن قوة العقل في العلاج والتطبيب أو حتى في الإضرار بالجسم موضوع ليس جديدا فتنبّه له الأطباءُ والمعالجون القدامى، والممارسون الروحانيون، وحتى المشعوذون في القديم، لأنه يعطي النتيجة، أو بعضها. والآن في الطب الحديث بحوث بل أقسام تختص بتسليط الضوء على العلاقة الصحية بين العقل والجسد.، وآلية العمل المتبادل بينهما. اكتشف الأطباء علاقة مترادة بين العقل والجهاز المناعي في أجسادنا، يعني هما يتخاطبان ويتفاهمان ثم يؤديان عملا متبادلا بتنسيق تراتيبي لعلاج المرض، أو المساهمة في الشفاء. يعني، يبدو أن العقلَ يستخدم منطقه الإبداعي المتقدم ليقنع الجهازَ المناعي بقدراته اللغوية وباستطاعته على التفكير، واختزانه للمعلومات، والأفكار والمشاعر والتجارب.. والمعتقدات. إن الجهازَ المناعي «يردُّ» بدوره على العقل بإرسال رسائل كُتِبتْ بالهرمونات من جهاز الغدد الصمّاء التي يصب تأثيرها على العواطف وحالات العقل المختلفة. هذا التفاعل بين العقل والجهاز المناعي سينتج أحد طرفين متناقضين؛ أما زيادة الهشاشة والضعف النفسي والعاطفي فيزداد المرض إيغالا، أو يرفع الحالة النفسية العامة مساهما في الشفاء أو التحسن. كثير من الأمراض منشأها نفسي، ولذا تلاحظ أن في المستشفيات المتقدمة أن يكون العلاجُ العقلي السلوكي والنفسي يأخذ دورا رئيسا في الإجراء العلاجي العام للحالة المرضية. طبعا هناك أمراض قطعا ليس منشؤها الحالة العقلية أو النفسية ولا يساهمان فيها مطلقا، مثل الأمراض الوراثية، والأمراض الناشئة عن البكتيريا والفيروسات، والتسمم وخلافه، ولكن حتى في هذا النوع من الأمراض القبول النفسي وشجاعة المواجهة والإيمان بالظرف يجعل المريض بحالة أفضل للاستفادة من العلاج. والنتيجة أن الطب الفسيولوجي كثيرا ما يُغفل الجانبَ الروحي في العلاج، بينما يثبت كل يوم أن البعدَ الروحي هو المفتاح الرئيس لتشغيل مولد الراحة والرضا وجودة الحياة لدى المرضى.
أبقاكم الله أصحاء، وأبعد عنكم الأمراض والشرور.
اليوم الخامس
من الشعر العالمي- ترجمتي بتصرف: «لعل ملاكا يكون بجانبك»
في هذا اليوم سأنقل لكم قصيدة لشاعر طالما أحببته، وأبحرت بزورق من الأحلام بكلماته، هو من أكثر الشعراء الغربيين انطباعا عاطفيا، وأعلاهم بالأوزان المموسقة، وتجري في شعره كلمات في شفافية عذبة، والذي قال عنه الكاتب الغاضب آرثر ميلر: «لا أحب هذا الشاعر، إنه، رغما عني، يستدر دموعي سعادة أو شقاء.» إليكم القصيدة بالإنجليزية ثم ترجمتها:
May you always have an angel by your side
Watching out for you in all the things you do.
Reminding you to keep believing in brighter days-
Finding ways for your wishes to come true-
Giving you hope that is as certain as the sun- Giving you the strength of serenity as your guide.
May you always have love and comfort and courage.
And may you always have an angel by your side..
Someone there to catch you if you fall- Encouraging your dreams-
Inspiring your happiness- Holding your hand and helping you through it all-
In all of our days, our lives, are always changing –
Tears come along as well as smiles- May they give you gifts that never, ever end: someone wonderful to love and a dear friend whom you can confide.
And may you always have an angel by your side!
الترجمة:
لعل ملاكا يكون بجانبك ..
يرعاك في كل ما تعمل، يشعل قبس إيمانك بمجيء أيام مشرقة
ويسعى معك لكي ترى أمانيك تتجسد واقعا أمامك
ويملأ مشاعرَكَ يقيناً بأنه كما الشمسُ تجيءُ سيأتي معها الأمل
وليمدك بالعزم لتختار السكينة والصفاء دليلَيْ طريق
ويجتمع لك الحبُ والراحةُ والإقدام
ولعل ملاكا يكون بجانبك..
لترزق بشخص يكون شبكة نجاتك عندما تهوي.. ويضرم حجر أحلامك،
يلهمك عالما من السعادة.. ويأخذ يدك بيده لتسيرا معا تتخطيان الصعاب
فأيامنا تتقلب بين حزنٍ وفرح، يومٌ تسقيه دموعٌ، ويوم تضيئه بسمات
وأن توهبَ هديةً لا تنتهي ولا تبْلى..
صديقٌ محب تلجأ إليه عند الألم.
ولعل ملاكا يكون بجانبك!
- من قصيدة للشاعر «دوجلاس باجل»
اليوم السادس
لماذا أعاد «توماس كارلايل» كتابة سفره الضخم « الثورة الفرنسية» مرة ثانية، وبخط يده؟
لا يخفى على مطلع أو مهتم بالثورة الفرنسية أضخم عمل أدبي وتأريخي وفلسفي سياسي واجتماعي ظهر عن أشهر ثورات الشعوب، هو ذاك الكتابُ الفخم الضخم الذي تعدت كلماته ال 300000 كلمة: « الثورة الفرنسية» لمؤلفه «توماس كارلايل». انتهى «توماس كارلايل» من الكتاب الذي أكل من صحته ونهب من عينيه وأصابه بذات الرئة وأرهق عقله، بجُهدٍ جهيد. وكان من عادة «كارلايل» أن يعطي لصديقه الناقد العلامة «جون ستيوارت مِلْ» أعماله لكي ينقدها ويعلق عليها.
«صاحبنا كارلايل» كعادته سلّم الأوراقَ الثقيلة المكتوبة بخط يده إلى صديقه الذي يحبه ويثق بآرائه «جون ستيوارت ميل».. أما ما حصل بعد ذلك فهو أكبر حادثة حرَجٍ أدبية ربما بكل تاريخ الكتابة الأدبية. أقولكم؟ طيب.. صاحبنا الناقد، أخذ أهم عمل توثيقي من «كارلايل» قام به إنسان بمفرده - حتى وقت كارلايل على الأقل- وذهب به إلى بيته.. وكان المسكينُ صائما فعلا طول اليوم- طبعا غير صيامنا- ولم يصدق أن يصل للمطبخ حتى وضع الأوراقَ بجانب حوض المطبخ، ثم راح يلتهم بطة باردة محشوة بالزبيب ومطبوخة بسائل لا نقوله.. ثم أنه وضع يده على كرشه مكتفيا، وربما وراءها صوت الشبعان، وذهب مباشرة والنعاس قد أثقل جفنيه إلى السرير.. ونام. أشرقت الشمسُ صباح اليوم التالي وصاحبنا يغط في نوم عميق، وأتت العاملة لتنظف البيت، وبدأت من المطبخ.. هل تتوقعون ما حصل بعد ذلك؟ رأت الفتاة الفلاحة البسيطة «جين» أوراقا – ما لها سنع- مرمية بجانب الحوض، وتعجبت من كسل سيدها، الذي عرفت أنه أكل البطة، بأنه لم يرم الأوراق الكثيرة البشعة في القمامة وهي لا تبعد عنه مدة ذراع.. وربما قالت لنفسها: «إيه، يحق له، هو السيد وأنا مجرد عاملة». وبالحال رمَت جين كل الورق.. ورقة ورقة. جهدُ ليالٍ وأيام وعرق وتصلب عضلات يد كارلايل لسنوات رُميت بالقمامة، ولم تكتف العاملة جين بالرمي بل تأكدت أن تسحقها تحت كل النفايات السائلة والصلبة.. وضاع كل شيء! عرف صاحبُنا «جون» بالموضوع وأكيد أنه قطع شعر رأسه، وأسمع العاملة «جين» كلماتٍ ليست كالكلمات.. حرقت قلبها، ولكن ما الفائدة؟ الذي ضاع قد ضاع. وما كان منه إلا أن ذهب بالحال لصاحبه «كارلايل» باكيا آسفا معتذرا محرجا يود لو تنشق الأرضُ وتبلعه.. على أننا عرفنا فيما بعد برسالة من كارلايل لأخت «جون ستوارت مِلْ» كتب فيها: «أتاني أخوك اليوم أشعث بحالةٍ حمقاء، وصرخ وبكي وأنهال على الأرض. غير أني وعدته أن الأمرَ بسيط.. وأن اليدَ التي كتبته ستكتبه مرة أخرى» وبرَّ «كارلايل» بوعده وأعاد بخط يده كتابة الكتاب الضخم بكل كلماته ومن الذاكرة مباشرة.. ولما انتهى جمَع الأوراق، وخمّنوا ماذا فعل؟ نعم حزرتم. نادي صديقه «جون» الناقد وحاول أن يسلمه المخطوطات الكبيرة الحجم لينقدها ويعلق عليها.. إلا أن «جون» هذه المرة ضربته نفّاضه من أعلى رأسه لأخمص قدميه وصرخ: «أبدا.. ولو على رأسي. لن أعيش بإحراج آخر، حتى لو لم يحصل شيء.» الذي صار بعدين أن «توماس كارلايل» سلم أكبر سفْرٍ عن الثورة الفرنسية لناقدٍ آخر!
اليوم السابع
منافسة سيدة الأخلاق
من تاريخ الأنثروبولجي للحضارات والقيَم نجد شيئا ثابتا ومؤلما للأسف، وهو الاتفاق عبر المسافات والأزمان على أن المرأة أما بلا أخلاق أو تفسد الأخلاق. من المجتمعات البدائية والمرأة تعامل باحتقار لتكوينها. في حفريات «البيرو» ورسوم الكهوف كانت حضارات من قبل التاريخ المسجل وهي ربما التي تحدّرت منها حضارات الأنكاس وألأزتك والمايا، كان كهان القبائل يجمعون النساء في حظائرة دلالة على أنهن سيؤذين الرجال. وحتى لما تقدمت الحضارة البشرية واضحة في الفكر الأسطوري اليوناني، نجد أن الأسطورة تقول إن في جبل الأولمب لم يكن يعيش إلا الآلهة الذكور سعداء طيبين فرحين ليس عندهم للشر طريق.. ثم أمر زيوس رئيس الآلهة أن يحضر صندوقا محكم الإغلاق ومنع الإلهة الطيبين الحلوين الذكور من فتحه.. على أنه نمَت عند الإلهة صفة أخرى غفل عنها حتى رئيس مجلس إدارة الأرباب في الأولمب، وهي الصفة الخطرة: الفضول. تقدم أحد الآلهة الذكور وكسر القفل وتعاونوا على فتح الغطاء الثقيل الذي سرعان ما انطلقت منه زوبعة دخان وهباب أسود، وصار يدور كالحلزون في الجو، وفيه تتجمع كل شرور الأخلاق من الكذب والغدر إلى الخديعة والخيانة، كل هذه العناصر وسط الزوبعة تجمعت وصارت مرأة.. منذ ذلك الوقت والألهة الذكور الطيبين فقدوا هناء الحياة. وأستطيع أن أذكر لك حتى قصصا من تلمود اليهود، فقط قصة «سالومي» وغدرها وانتقامها الدموي هي وأمها تعتبر من أفظع الجرائم الثيولوجية « الدينية»على الإطلاق.. بل حتى في عصرنا الحديث هذا ما جعل «أرثر ميلر» و»جين وأستن» وغيرهما يصرخون بأن الحضارة الغربية هي أحط من جعل المرأة ممسحة للأخلاق في تسليعها واستخدامها لأحط الرغبات، أما لم قالا أن الحضارة الغربية هي الأحط فلأن المرأة في القديم كانت كالعبدة أو الجارية تغصب إرادتها، أما الآن فتقدم المرأة على استغلالها بطوعها، بل تنافس من أجل ذلك..
تنافس؟ هل قلت ذلك.. نعم قلت. وهنا تشرق مناسبة مسابقة سيدة الأخلاق والتي تشرف عليها أمارة المنطقة الشرقية، وأول ما خرجت من القطيف، ويشرف عليها أيضا رجال عاملون من هيئة الأمر بالمعروف بالمنكر وجهات حكومية وشخصيات بالمنطقة ، نعم تشرق في جوهر معناها وفي قيمة فلسفتها، وفي تصحيح وضع يجب أن يصحح بأن المرأة في الحقيقة هي الأكثر ميلا للأخلاق، وقلت لهن: «إنك لا تجرين فقط مناسبة عادية لمنافسة عادية، إنما أنتن تُعِدْنَ كتابة التاريخ، وإعادة الاعتبار للمرأة من باب التأكيد على أن يكون الجمالُ أخلاقا وسلوكا وعقلا نابعا من القيم الإسلامية والمبادىء الراقية. فعلتن يا بنات بلادي ما لم يفعل غيركن. وخرجت من لقائي معهن، وأنا أتطاول فخراً بعنقي.. فمن يلومني؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.