الشعر الفصيح كتاب العرب والوسيلة الإعلامية الأولى في إبراز ملاحمهم وهجائهم ومدحهم وغزلهم، استمد قوته من موقعه، لدرجة أن العرب كانت تقيم الأفراح والليالي الملاح لمجرد ولادة شاعر عندهم، كما أنهم كانوا يتفاخرون بوجود شاعر مفوه بينهم، فهو الذائد عن حمى قبيلته وهو المخلد لمآثرها وهو الراد على كل هادج لقبيلته. الشعر النبطي هذا الشعر الذي امتلك قلوب الكثير من محبيه، الشعر الذي ارتبط بتراث الأجداد، فأقيمت له الأمسيات وألفت فيه الدواوين واهتمت به وسائل إعلام بقدها وقديدها، وأقيمت حوله المسابقات الكبرى، كما أنه أصيل في ذات الوقت فهو وإن كان ضعيفاً نسبياً في القديم إلا أن الآثار الأدبية تؤكد وجوده. الشعر الفصيح الدليل على بلاغة العرب منذ القدم، والموثق لكل أحداثهم التاريخية والسياسية والفكرية، ورد ذكره في القرآن الكريم، لما كان يحمل من معان ومكانة لدى العرب، تطور هذا الشعر بتطور الحياة العربية وتقدمهم السياسي على مر التاريخ، وقف الشعراء بشعرهم على أبواب الخلفاء والأمراء والوزراء تارة للتفاخر أمامهم على تمكنهم من اللغة وتارة للتكسب. وكرأي متخصص فإنني أفضل الشعر الفصيح على النبطي لما له من ارتباط مباشر باللغة العربية الفصحى، ولشموليته فكل من يعرف الفصحى يفهمه، بعكس النبطي الذي تقل فيه مستوى الشمولية بكثير. الشعر النبطي مرجع مهم من مراجع توثيق الأحداث السياسية والصراعات التي كانت تحدث بين الأطراف المختلفة، اهتم به موثقو التاريخ خصوصاً التاريخ الحديث لدول الخليج العربية، حيث كانت تقال القصائد من الشعراء الذين كان أغلبهم شعراء نبطيين، فأخضعت القصيدة للتحليل والشرح ليتم منها استخراج ما يستفاد من أسماء الشخصيات والأماكن المهمة، فتبوأت بذلك مكانة كبيرة في نفوس الأدباء والمؤرخين على حد سواء. مقارنة بين عملاقين... من خلال مقارنتنا للشعر الفصيح والشعر النبطي نجد أن الشعر الفصيح تبوأ مكانة كبيرة غير هينة في فترة من فترات الازدهار الأدبي العربي ذي اللسان الفصيح، بدأت هذه الفترة من العصر الجاهلي ومرت بعصر الخلفاء الراشدين مروراً بالعصر العباسي والأموي حتى عصر الدولة العثمانية، في هذا الوقت الطويل كان الشعر الفصيح هو المقدم على الشعر العامي رغم حضور الشعر النبطي في بعض المناسبات. وبعد انهيار الدولة العثمانية وحضور الحكام الفعليين للدول الخليجية وإمساكهم بزمام الأمور برز الشعر النبطي كحالة متقدمة يخاطب بها الحكام مع حضور الشعر الفصيح أيضاً في مناسبات كثيرة حيث كان الشعر النبطي موروثاً أدبياً للشعوب الخليجية يعتزون به، نابع من فطرة، ومتأثر بعدم تعلم أغلب الشعب للغة العربية، فوثقت إنجازاتهم، وسطرت أغلب قصائد المدح والاحتفال بالشعر النبطي. ومع تقدم الحالة الثقافية وتفجر العلم والمعرفة، بدأت تتوازن الكفتين بين الشعر الفصيح والنبطي، فعادت القصائد الفصيحة إلى جانب حضور القصائد النبطية. وكرأي متخصص فإنني أفضل الشعر الفصيح على النبطي لما له من ارتباط مباشر باللغة العربية الفصحى، ولشموليته فكل من يعرف الفصحى يفهمه، بعكس النبطي الذي تقل فيه مستوى الشمولية بكثير. وتقبلوا احترامي ودمتم سالمين ...