محمد النجيمي اسم يشقّ طريقه بقوة وهدوء في مشهد سعوديّ مليئ بالأسماء الكثيرة، إضافة إلى كتابته المقال، أثبت له قدماً في عالم القصة القصيرة ثم خطا خطوة أولى في عالم الرواية عبر روايته «مدّونة هيكاتيوس» التي نوّهت بها جائزة الشارقة، وفي المشهد المحلي حظيت روايته بقبول أسماء مهمة ونقد أسماء أخرى إلى أنه يقول إن الصمت كان سيد الموقف حيالها، هل لأن القارئ معتاد على «السوالف» كما قال؟ حول هذه الرواية وحول المشهد الثقافي السعودي أجرينا معه الحوار التالي: في الخارج، حظيت روايتك «مدونة هيكاتيوس» بتنويه جائزة الشارقة بالرغم من عدم فوزها، بينما هنا، في السعودية، قال عنها علوان السهيمي أنها لا تقدم سوى الجنون، بماذا تفسر هذا التفاوت في النظر إليها؟ هذا راجع لزاوية النظر وكيفية التلقي. يتفاوت الوعي وتختلف أدوات القارئ وتظل مسألة الفصل بين النص وكاتبه تلقي بظلالها على تعاطينا من النصوص بدرجات متباينة. قد يقرأ البعض النص بحب وثقة وينطلق من خلال قراءته لبلوغ صورة ذهنية سبق وكونها عن الكاتب. نلاحظ هذا في تعاطي بعض المجموعات الصغيرة من المؤلفين مع نصوص بعضهم حيث يكتب عن فكرته المسبقة عن الكاتب ورؤاه وتوجهاته من دون أن يشتبك فعلياً مع النص أو يحاول فك سطوره وتأويل إشاراته أو الوقوف عند ماله وما عليه. رواية «مدونة هيكاتيوس» كما ذكرت في سؤالك نوهت عنها جائزة الشارقة مع ثلاثة أعمال من ضمن الستة والأربعين رواية المشاركة لكتاب فيهم أسماء لها حضورها وتجربتها السردية الجيدة من خلال كتابة القصة على مستوى العالم العربي, كما أشاد بها اسمان سبق وحكمّاها للجنة النشر بنادي مكة هما عبدالله السفر وعبدالواحد الأنصاري وذكر أحدهما أنها تنحى منحى مغايراً عن السائد وأن في هذا إضافة للمشهد الروائي في السعودية وغيرهما أسماء لها تجربتها وحضورها وهي كثيرة. هناك من صمت وهذا حق مشروع وتظل كتابة علوان السهيمي وجهة نظره وأنا شاكر له اهتمامه بتقديم الرواية وإن كان من زاوية مغايرة. بطلُ الرواية يهتمّ برسم المشهد النفسيّ ويغلب على ما يرويه المونولوج الداخلي، وصوت آخر يأخذ في التشكّل يشبه دور الشيطان بالنسبة له و يدفعه للتخلّص من ذكرياته المحبوسة عبر كتابتها، ألا تعتقد أن الرواية غرقت في مونولوج طويل وصارت أشبه بقصة طويلة؟ دعنا نتفق على أنها رواية أولاً وثيمتها الأساسية كانت عن الكتابة وحالة الكتابة وقلق الكاتب أياً كان حيثما كان. المونولوج الداخلي كان تقنية سردية ضمن تقنيات أخرى وكان بطلاً بجوار الحوار والتظفير للأغنية وللأسطورة سواءً تعلقت بميلتوس أو الطائف حيث المكان الذي مثل أحد الأبطال مع زمن يتفتت ويتجمع وسرد يجتمع ثم ينحو للفوضى وتشظ للصورة ثم إعادة شبهة لحمة إليها. كل هذا يبحث عن قارئ محايد ولن يتصالح معه قارئ كسول يبحث عن «سالفة» في ثنايا العمل. ثمة رأي إيجابي آخر هو رأي د. عالي سرحان حيث قال « كانت كتابتها قفزة على مسلمات ما استجد في كتابة النص الروائي وما قدم» أليس في هذا مبالغة؟ لعلنا نعود هنا لجوابي على السؤال الأول, لكل متلق أدواته وزاوية نظره. التلقي في النهاية هو جسر لهوة بين قارئ متخيل ونص. المهم أن يحاول هذا القارئ أن يقيم نصه الخاص الذي يدعم به جمالية أو منطقية طرحه. الدكتور عالي القرشي قامة مهمة في مشهدنا النقدي وأنا كمنتج لهذا العمل سعيد برأيه. ألا ترى أنّ أبطال روايتك لا تنمو ولا نلحظ تغيرات كبيرة في أفكارهم وكأنك قد حبستهم في صورة فوتوغرافية ثابتة؟ سؤالك هنا هو شكل من أشكال القراءة للرواية, زاوية نظر صاحب السؤال الخاصة. لا أحد يزعم صواباً أو مجانبة للصواب حين يتعلق الأمر بالذائقة أو الرأي, بل أزعم أن هذا ما يعطي لهذه الرواية حياتها وتجددها وقابليتها للقراءة على مستويات عدة. يقول أحد محكمي الرواية في نقطة لها علاقة بالسؤال: نجحت الرواية في بناء مستوى من التناظر والتعدّد في الشخصيات على محدوديّتها حيث تنشطر الشخصية الواحدة إلى أكثر من وجهٍ شبيه، وبروز الذات الإبداعية المحاورة أو المناوئة لذات الكاتب عندما تكون خارج النص.