انتبه جيداً.. عندما تقرر أن تسلي نفسك وتضيع وقتك، في التهام محتويات كيس من الفصفص (الحب)، فاحذر أن يكون هذا الكيس تم إنتاجه في مصنع مشابه، للمصنع التي داهمته فرقة من بلدية المبرز أخيراً في إحدى مناطق محافظة الأحساء البعيدة عن الأنظار، ولأنك بالطبع لن تعرف بسهولة طرق تصنيع هذا «الفصفص»، ولا يمكنك تتبع مراحل إنتاجه، فالأفضل لك أن تمتنع عن تناوله، إلى أن يتأكد لك صحة ما تتناوله.وتؤكد رحلة المداهمة، أن هناك أشخاصاً من العمالة الأجنبية، قرروا العمل في الظلام، وبعيداً عن أعين الرقابة، من أجل كسب المال السريع، ولو على حساب صحة المواطن والمقيم، وكانت الرحلة كفيلة بأن تثير الشك والريبة فيما تناوله من أطعمة مغلفة، خاصة لو كانت مجهولة المصدر. كميات كبيرة من المواد الغذائية المضبوطة. (اليوم) الاستخدام الآدمي لم أكن أتوقع قبل الوصول إلى موقع في إحدى المزارع النائية، التي تحتضن صناعات غذائية متكاملة، مثلما يحدث في المصانع الكبيرة داخل المدن الصناعية، أن أجد هذا الكم من المواد الغذائية التي لا يعرف أحد على وجه التحديد هل هي صالحة للاستخدام الآدمي أم لا،، فالمكان مليء بالمعدات الكبيرة، التي يغطيها الصدأ، بفعل تعرضها لحرارة الشمس صيفاً، والبرودة القاسية شتاءً، كان الأمر يبدو طبيعيا، حينما كنا في الطريق للمزرعة، برفقة طاقم من صحة البيئة في بلدية المبرز، حيث تقوم عمالة وافدة هناك (كالعادة) بالمتاجرة بصحة المواطن والمقيم، في وضح النهار، داخل موقع كبير جداً، تم تسويره، وكأنه استراحة، تضم مظلات كبيرة، وغُرفاً للسكن، يتم داخلها إعداد الطعام لهذه العمالة، وبجانب كل هذا، يوجد مصنع لتغليف المواد الغذائية، من فصفص ومكسرات، فلا يوحي المنظر أنك في مصنع لتعبئة المواد الغذائية، وإنما في ورشة لتغيير الزيوت. توقعت هروب العمالة الموجودة في المكان، تاركين كل شيء، ولكن كان الموقف مختلفا للغاية، إذ خرج إلينا أحد العمالة، وفي يده هاتف جوال، يتحدث فيه بهدوء جم، لا يشير إلى قلق .
مداهمة الموقع وبينما كان فريق صحة البيئة بقيادة الدكتور قاسم عبد الكريم الهزوم، يستعد لمداهمة الموقع، كنت أتوقع هروب العمالة الموجودة فيه، كالعادة، تاركين كل شيء، ولكن كان الموقف مختلفا للغاية، حيث خرج إلينا أحد العمالة، وهو يرتدي ملابس العمل، وبيده هاتف جوال، يتحدث فيه بهدوء جم، لا يشير إلى وجود قلق من أي نوع، إذ لم تتغير ملامح وجهه من وجود فريق صحة البيئة، كان الوضع طبيعياً بالنسبة له، بل كانت علامات الابتسامة بادية على وجهه، أثناء حديث الفريق الصحي إليه، وهو يستفسر عن المصنع الموجود في المكان، فأشار العامل إلى موقعه، وهو مصنع لتغليف الفصفص (الحب) والمكسرات بكل أنواعها، بكميات كبيرة، ويتم تحميص الحب داخل خزانات كبيرة، سوداء، من شدة الصدأ الذي يغطي أجزاءها، وكان ماؤها أسود، وذا رائحة كريهة، وفوجئ الفريق، بأن عملية نشر الفصفص، تتم في ساحة مكشوفة من الخرسانة، يتعرض فيها الفصفص للحشرات والغبار.. الخ. صحة المواطن ما لاحظته، أن التجاوزات الصحية، في عملية تغليف الفصفص، كانت أمراً عادياً، بالنسبة لهذه العمالة، التي رأت أن ما تقوم به، ليس فيه ما يلفت نظرهم من أي تجاوزات، وكأنها قررت أن تتاجر بحق صحة المواطن، والمقيم، بغية الحصول على ما تطمح إليه من مكاسب مالية كبيرة، مهما كانت النتائج المترتبة على أعمالهم، وقد أحكمت هذه العمالة الموقع من خلال تسويره بالكامل، حتى لا يستطيع المارة مشاهدة تلك المناظر التي لا تسر الغيورين من أبناء الوطن، وأثناء قيام الفريق بتفحص ومعاينة الموقع، كانت الروائح الكريهة في انتظارهم، داخل إحدى غرف المكان، والتي كانت معدة للطبخ، واختلطت هذه الروائح الكريهة، بروائح المصنع، وكانت المحصلة روائح لا تطاق». أكثر ما لفت نظري في المكان، خروج فأر من مخبئه، يستطلع الأجواء، ثم يعود من حيث أتى، هذا بخلاف الحشرات بكافة أنواعها وأشكالها المتكاثرة في المكان، بسبب قرب هذه المزرعة من مياه الصرف التابعة لمشروع الري والصرف، والتي تعلوها الحشائش الكبيرة، وتسمع فيها أصوات الضفادع والمياه الراكدة، التي تتسبب في تكاثر الحشرات.
زيوت سوداء لصنع الفيشار و»الأوساخ» تدخل في الصناعة أثناء التجوال، داخل أركان وزوايا المصنع، كم تمنيت أنني لم أر الزيت الذي يستخدم في عمل الفيشار، الذي سيتناوله أبناؤنا، فكان لونه يميل إلى السواد، وداخله أجسام صغيرة غريبة، تؤكد أنه كان مكشوفاً على مدار الساعة، يتلقى بكل الترحاب ما يسقط فيه، من حشرات وغبار، ناهيك عن آلة صنع الفيشار، التي اختفت معالمها، تحت طبقة سميكة من الأوساخ، استوطنت فوق سطحها الخارجي، وتلتصق بها الحشرات وبقايا الزيوت المتراكمة، ولم يشذ منظر زجاج الآلة عن المشهد العام لها، إذ أصبح لونه أسود، من عدم التنظيف، وفي إحدى الزوايا، توجد أجهزة لتغليف الفصفص، لا أعرف كيف تم جلبها بهذه الصورة المزرية، وطبعت عليها اسم ماركة باللون الأحمر، وكان تفكيري وقتها منصباً على شيء مهم جداً، وهو كم سنة وهذه العمالة تتاجر بحياة أطفالنا، وكم من طفل أكل من هذا الفيشار والفصفص والكاجو وغيره من المكسرات المغلفة في هذا المكان، وكيف تم وضع هذه العلامة التجارية؟. تساءلت أين أصحاب الضمير الحي، وغير الوطنية في الإبلاغ عن أية شبهة أو حركة غير طبيعية في المزارع، لأن المواطن هو رجل الأمن الأول في بلادنا الغالية. وكم من المبالغ قامت هذه العمالة بتحويلها للخارج؟! والمهم في الأمر ما هي العقوبة التي سوف يتم اتخاذها حيال هذه العمالة؟ وهو أمر مهم جدا للغاية شيء مخيف أن يتم اكتشاف مواقع مثل هذه المزارع. قرر فريق الحملة، المكون من خالد المسلم وعبد الله عسيري ورمزي بن عايش، حصر الموجودات في المكان، تمهيداً لتشميع الموقع بالشمع الأحمر، ولكن الكمية المضبوطة كانت كبيرة، حيث تم التحفظ على ما يقارب 400 كيس كبير من الفصفص، في مدخل المزرعة، تُقدّر كميتها ب 14 ألف طن، الذي يتم تخزينه، تمهيداً لتوزيعه على المحال التجارية في المحافظة وخارجها.