كان ختام عروض مهرجان مسرح الدمام للعروض القصيرة، الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون بالدمام، العرض المسرحي «شدت القافلة» لفرقة الطائف. مشهد من أحد العروض المسرحية المقدمة في المهرجان المسرحية، التي عرضت مساء الأربعاء الماضي، من تأليف الكاتب المسرحي فهد الحارثي وإخراج مساعد الزهراني، وأداء مجموعة من الشباب المسرحي الواعد الذين يصعد بعضهم على الخشبة للمرة الأولى، والإضاءة لفني الإضاءة المتميز جميل عسيري. نص العرض قائم على أغان فلكلورية من التراث الحجازي (الخبيتي)، حيث مسرح الحارثي هذه الاغاني وقدمها في نص مشحون بالدلالات وهو ما يميز كتابة النص لديه، فهو يعي تماما ما يكتب، ويعي كيف يكتب جملته المسرحية الزاخرة بالفكر. وهنا هو كما عهدناه، ففي نصه هذا، يحيلنا إلى زمن أبعد، حيث تعاني إحدى القرى من العطش وغياب المطر، ينتظر ناس القرية هطول المطر وخصوبة الأرض، بعد أن أنهكهم العطش وأجّل مشاريعهم وأحلامهم، حتى ذلك العاشق الذي ينتظر المطر ليحظى بحبيبته، يسافر مع صديق للحصول على دواء في قرية أخرى ولكنه يعود بعد أن قفرت القرية ورحل أهلها عنها إلى مكان يحصلون فيه على الارتواء. واشتغل مساعد الزهراني على النص، وصاغ رؤيته الإخراجية المعتمدة على التقشف في السينوغرافيا والابتعاد عن البهرجة والاستعراض البصري، فالمخرج وزع بعض الأقمشة على الأرض والشراشف القديمة على الجدار المواجه للجمهور ليوحي ببساطة الحياة وبالزمن الذي تدور فيه حكاية القرية وأهلها، ووزع ممثليه على الخشبة واقتصد في حركتهم وبسطها، دون أن يذهب بعرضه إلى مشهدية بصرية تتكئ على الرقص التعبيري أو التكوين الجسدي، واقتصرت على الحركة العادية المترافقة مع الحوارات وبعض الرقصات الشعبية التي أداها الممثلون، الذين أدوا أدوارهم بشكل جيد وإن كان يحتاج إلى تركيز أكثر، فالبدايات كانت واضحة على الأداء التقليدي الذي كان يحتاج إلى التدريب والتأهيل، فالممثلون يملكون خامات جيدة قادرة على العطاء والتميز، وهذا ممكن على يد مخرج واعٍ يملك في رصيده تجارب أثبتت وعيه ونضجه، وأهّلته ليكون ضمن قائمة الأسماء المهمة سعوديا في مجال الإخراج. فحتى شخصية المجنون التي أراد لها النص أن تكون حمالة الفكر أو كما يقال «خذ الحكمة من أفواه المجانين» لم تحمل من الحكمة شيئا بل كانت عابرة وكانت الوجه الكوميدي للعرض، ولكن الممثل أخذ بالشخصية إلى التهريج في بعض المواقف في تكراره لإفيهات حركية أو كلامية أربكت شخصيته التي لم تكن تنم عن افتعال في بدايتها، ولكنها ارتبكت بعد ذلك وتشوشت بافتعالها للمواقف التي لم تكن مبررة. الإضاءة ورغم القصد في تبسيطها كانت موفقة ولم تتورط في الاستعراض والبهرجة، بل كانت مصممة وموظفة دراميا بشكل خدم العرض وخدم تواصل الجمهور معه. كان يمكن للعرض بكل ما يحمله من مفردات تراثية ورقصات أن يخلق فرجة ممتعة نبحث عنها في عروضنا المسرحية، فالأداء الجماعي والرقصات الشعبية والغناء التراثي الذي أداه الممثلون كان مؤهلا ليكون عرضا احتفاليا مبدعا، ويمكن للمخرج أن يعيد النظر في خلق هذه الحالة الفرجوية ليعلي من شأن عرضه ويصل به إلى الإبداع. كما عرضت الأربعاء أيضا مسرحية «النائمون» لفرقة رموش، من تأليف وإخراج علي آل غزوي وتمثيل معتز العبدالله. وقدمت المسرحية عرضا تعبيريا صادقا عبارة عن صرخة طويلة لجاسوس يعاني من قلقه وهواجسه بعد أن هجرته محبوبته لخيانته الوطن، حسب د. منى حشيش، التي أضافت: لم يشر الكاتب إلى وطن بذاته مما يعطي المسرحية مدلولا كونيا يعبر عن كل الأوطان التي تفرز ثمارا فاسدة أحيانا مثل الجاسوس. وأوضحت أن العرض يعتمد على الممثل الأوحد، الذي يلقى بمنولوج طويل معبرا عن آلامه، مشيرة إلى أنه نجح في جذب الانتباه طوال فترة المشاهدة بحديثه وصرخاته وحركاته المستمرة ومبالغته في الانفعالات المختلفة، وتزيد المؤثرات الصوتية المفزعة وصوت محبوبته الغامض المصدر من حالة التوتر في العرض. وذكرت أن المسرحية عبارة عن كابوس تقلل التقنية السيموجرافيا من حدته، موضحة أن هذه المسرحية التجريبية أنموذج جميل للمسرح السعودي الذي يفخر به المجتمع العربي المعاصر.