في حوار قديم أجري مع شاعرنا الضخم محمد العلي في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم (أو ربما قبل ذلك) أتذكر أنه قال ما معناه أن محمد الثبيتي هو واحد من أهم خمسة شعراء عرب في القرن العشرين. حينها كان ذاك الرأي بمثابة الصدمة والمفاجأة الكبرى بالنسبة لي. فأنا أعرف أن أستاذنا العلي لا يجامل ولا يحابي أحدا أيا كان. دفعني ما قاله الأستاذ العلي إلى البحث عن دواوين الثبيتي المنشورة ونجحت في الحصول عليها كلها. وهي ليست بالكثيرة على أية حال إذ لا تتجاوز الكتب الثلاثة، وكان أكثر ما أصابني بالدهشة ما بينها هو أكثرها نحافة وأصغرها حجما، وأعني به كتابه التضاريس الذي شكّل ولا يزال علامة فارقة ونقطة تحول بارزة في تاريخ الكتابة الشعرية المحلية والعربية بشهادة الكثير من النقاد والدارسين بما في ذلك بعض النقاد العرب كي لا يتهمنا أحد بالمبالغة أو التهويل. لو أن الثبيتي لم يكتب سوى (التضاريس) لكان ذلك كافيا لتخليد اسمه في قائمة الأسماء الشعرية الأكثر سطوعا في سماء الشعر العربي.. لا أتذكر (وليس بوسعي ذلك) كم مرة قرأت (التضاريس) حتى الآن مذ أسعفني الحظ بالحصول على طبعته الأولى التي طبعت قصائدها بخط يد الشاعر الجميل والأنيق، ولا أعلم بالطبع كم مرة سيكتب لي أن أقرأه فيما تبقى لي من العمر، ولكن ما أعرفه على وجه اليقين الذي يخالطه الشك أنه كتاب متفرد ومختلف وسامق بلغته الشعرية الأصيلة الصافية المقطرة التي يتمثل فيها أجمل ما يزخر به تراثنا الشعري العربي من جماليات ممتزجا برؤية فنية حديثة على الصعيد اللغوي ورؤية نقدية واعية على الصعيد الاجتماعي/الثقافي. وما أعرفه أيضا أنه كتاب غير قابل للاستنفاد القرائي (إن صح التعبير). إن الشعر الذي قر ما بين دفتي ذلك الكتاب المتفرد ليس شعر الاستخدام لمرة واحدة بل هو شعر الخلود والديمومة، ولو أن الثبيتي لم يكتب سوى (التضاريس) لكان ذلك كافيا لتخليد اسمه في قائمة الأسماء الشعرية الأكثر سطوعا في سماء الشعر العربي الزاخرة بالنجوم. غير أن المؤلم والمفجع في الأمر أن الثبيتي الذي رحل عنا باكرا والذي حورب ولم ينل ما يستحقه من تكريم في حياته، لم يلق ما هو جدير به من عناية ورعاية في مرضه من بلده الذي طالما تغنى برماله وصحرائه وتضاريسه. [email protected]