تتقدّم أسعار النفط المرتفعة سريعًا لتزيح أوروبا عن موقعها كأكبر خطر على النمو في آسيا، إذ تهدّد بخفض الطلب الاستهلاكي والإضرار بالصادرات وتأجيج التضخّم. ويسبّب ارتفاع خام برنت فوق 128 دولارًا للبرميل متاعب للبنوك المركزية أيضًا لأنه يصعب عليها استخدام التيسير النقدي لدعم النمو. وأي تهديد لآسيا هو تهديد للجميع اذ إن العالم يعول على استمرار النمو الآسيوي لتعويض الركود في أوروبا والتعافي المتقطع في الولاياتالمتحدة. وقال ديفيد ريسلر كبير المستشارين الاقتصاديين لدى نومورا في مذكرة للعملاء «ما إن انحسر التهديد بأزمة مالية حتى برز الارتفاع الشديد في أسعار النفط في الشهرين الأولين من 2012 كأكبر تهديد للآفاق». والنفط أهميته كبيرة لآسيا فهي الآن أكبر مستهلك له بعد أن تفوّقت على أمريكا الشمالية عام 2007 لتستحوذ على أكثر من 31 بالمائة من الطلب العالمي. وتوجد في آسيا أربعة من أكبر عشرة بلدان مستهلكة للنفط في العالم وهي الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. وتستورد آسيا ثلثي إجمالي احتياجاتها النفطية وهي فاتورة ضخمة جدًا.. وبحسب تقدير المحللين لدى نومورا وباستبعاد اليابان تكون آسيا قد أنفقت 447 مليار دولار على واردات النفط العام الماضي ارتفاعًا من 329 مليار دولار في 2010 و234 مليار دولار في 2009. ويأخذ الإنفاق على النفط حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الآسيوية مقارنة بالغرب. وكان تعطش آسيا للنفط سببًا في أن الاسعار لم تتراجع إلا قليلًا في العام الماضي رغم أن النمو العالمي تباطأ وتأججت أزمة الديون الاوروبية. وقال فريدريك نيومان الخبير الاقتصادي لدى اتش.اس.بي.سي في مذكرة «معظم الناس يعزون الارتفاع الأخير الى العوامل السياسية ونحن لا نجادل في ذلك، لكن من ناحية العوامل الأساسية فإن شهية آسيا الضخمة للخام هي الأساس لذلك». وأشار الى أن مستوى أسعار النفط أكثر أهمية للنمو من نسبة التغيّر؛ لأن تكلفة الخام تكون كالضريبة على المستهلكين.. لذلك حين سجّل خام برنت أعلى مستوياته في ثلاثة أعوام ونصف العام عند 128.4 دولار الأسبوع الماضي أطلق هذا أجراس إنذار اقتصادية. وقال نيومان «بالنسبة لآسيا الخطر الحالي من ارتفاع أسعار النفط ليس التضخّم.. على الأقل ليس بعد.. إنما هو النمو». وأضاف: «الصادرات للغرب التي تبدو مهتزة بالفعل قد تتعرّض لضربة أخرى.. حتى على المستوى المحلي كلما ارتفعت الأسعار أمكن أن يشعر عدد من الاقتصادات مثل الهند وكوريا وتايلاند بالضرر». وعند حساب الأثر المحتمل للهزات النفطية يتوقف جزء كبير من النتيجة على سبب هذه الحركة.. فإذا ارتفعت الأسعار بسبب قوة الطلب العالمي سيكون الأثر أقل بكثير مما لو كان السبب هو مشكلة في الإمدادات. ونظرًا لأن العديد من المؤسسات عدلت في الآونة الأخيرة توقعاتها للنمو العالمي بالخفض فإن الحلقة الراهنة لا تبدو مدفوعة بالطلب. وبدلًا من ذلك يعزو معظم المحللين ارتفاع أسعار النفط الى التوترات في الشرق الأوسط والى التهديد بتشديد العقوبات على إيران أحد المصدّرين الرئيسيين للنفط.