بعد مرور خمس سنوات على نشر روايته الأولى، يعود الروائي الليبي/البريطاني هشام مطر في روايته الثانية «تشريح الغياب» إلى ثيمته الأثيرة وهي الغياب، وتحديداً غياب والده الذي كان مناهضاً ومعارضاً سياسياً لنظام القذافي، ودفع ثمناً لذلك اختطافه في مصر التي كان لاجئاً سياسياً فيها سنة 1990م والزج به في ظلمات سجون النظام الليبي السابق ليظل مصيره مجهولاً حتى الآن. هذا الموضوع كان على وجه التحديد هو ما كتب عنه في روايته الأولى الناجحة بكل المقاييس والتي كانت مرشحة للفوز بجائزة البوكر سنة 2006م «في بلد الرجال». هناك تشابه لا يمكن أن تخطئه العين ما بين الروايتين سيدركه من سبق له قراءة الرواية الأولى حتماً. يشكل هذا التشابه نوعاً من الصدمة وخيبة الأمل لأول وهلة بالنسبة للقارئ الذي قرأ وأحب العمل الأول الذي ترجم إلى 28 لغة ونال عددا من الجوائز الأدبية العالمية، خصوصاً أن العمل الأول بدا أكثر إقناعاً وإتقانا.ً فهناك أب يغيب فجأة ويطول غيابه دونما أثر أو دليل، وهناك ابنه الذي يروي الأحداث وفق منظوره ورؤيته للعالم حوله. ورغم أن الكاتب حاول أن يخلق نوعاً من أوجه الاختلاف ما بين الكتابين، حيث يكون الراوي في الكتاب الجديد مراهقاً، بينما كان طفلاً في التاسعة في الكتاب الأول، وحيث لا يصرح باسم البلد العربي الذي ينتمي له الأب والابن « وإن ألمح السرد إلى ذلك» في الرواية الجديدة، وحيث يبدو دور الأم هامشياً في الرواية الثانية «تموت الأم في ظروف غامضة حين كان ابنها طفلاً» بخلاف دورها الرئيسي في الرواية الأولى، إلا أن كل ذلك لم ينجح في تخفيف حدة الشبه ما بين العملين. ربما يشكل هذا التشابه نوعاً من الصدمة وخيبة الأمل لأول وهلة بالنسبة للقارئ الذي قرأ وأحب العمل الأول الذي ترجم إلى 28 لغة ونال عددا من الجوائز الأدبية العالمية، خصوصاً أن العمل الأول بدا أكثر إقناعاً وإتقاناً في رسم الشخصيات وخوضاً في التفاصيل التي قد يخلق الإخلال بها فجوة في نسيج السرد لا يسهل التغاضي عنها أو تجاهلها، إلا أن لغة هشام مطر الصافية وغناها التعبيري وبساطتها الموحية فضلاً عن الاكتناز السيكلوجي التي تمتلئ به تغفر للمؤلف خطيئة التكرار تلك «إن عدت خطيئة»، وتبقيه مرشحاً قوياً ليكون «سفيراً ثقافياً ناجحاً ما بين ثقافتين وعالمين»، كما تقول النيويورك تايمز عنه.