تناولت في مقال سابق مفهوم الوطنية كبناء فكري ووجداني عميق وأصيل بحكم ارتباطه بالفطرة، إذ جاء في الأثر أن (حب الأوطان من الفطرة)، ولذلك فإنه ليس تنظيرا أو مجرد حديث عاطفي عابر عن الوطن الذي ننتمي اليه، وإنما هو جزء كبير من الانتماء والولاء الذي يتجسد في كل معاني الفداء والعمل والإنتاج، والمساهمة الرفيعة في البناء بالفعل وليس القول. وهنا أستشهد بتلك الروح الوطنية الغامرة التي لدى المرحوم بإذن الله الكاتب البحريني حمد بن منصور رجب، الذي قدم نموذجا ملهما للأجيال في معاني الوطنية وحب الوطان، وتجسد ذلك في جميع أقواله وكتاباته وأفعاله من أجل وطنه البحرين، وقد ترك إرثا فكريا جميلا احتواه كتاب بعنوان (البحرين.. أولا) وهو شعار الراحل الذي ظل يردده ويعمل به طوال حياته، رغم أنه انتقل إلى رحمة مولاه في ريعان شبابه، ولكن ما بذله من أجل تحقيق هذا الشعار كان صادقا ومؤثرا وقويا ورائعا. من خلال تصفحي للكتاب وجدت أن جميع مقالات الراحل تعكس قيمة الشعار الذي رفعه وجعل منه منهج عمل لحياة كاملة في مسار فكري، ينصح ويلهم ويسهم في تربية النشء بكل القيم الوطنية الرفيعة، فقد جعل من وطنه (مملكة البحرين) أيقونة حب لا يعلوها أي ولاء آخر، لذلك تدفق ذلك الحب الذي جسدته مقالات الكتاب في مختلف الموضوعات التي تهم بلاده وولاة أمره ومجتمعه ودورهم الخليجي والعربي والدولي، دون مزايدات او تكلف أو ادعاءات غير حقيقية، وذلك ما أضاف قيمة موضوعية وعاطفية في نفس الوقت للتعبير عن حب الوطن والانتماء اليه. الطروحات الفكرية للكاتب الراحل (حمد بن منصور) تتسم بالسهولة والبساطة وذلك لأنها صادقة ومبرأة من أي عيوب في مسارها الذي يعبر عن حب الفرد لوطنه دون أن يزايد أو يشوش على ذلك بأقوال دون أفعال، لذلك كسب وطنه وحب مواطنيه وارتفع بالفكرة الوطنية مكانا عاليا في الذات البحرينية، فكانت تجربته الوطنية مثيرة للاهتمام وجديرة بالنظر والتوقف عندها لأنها تحمل كثيرا من الدلالات فيما يتعلق بالوطنية. لقد جعل الراحل من وطنه عنوانا عريضا للوطنية النبيلة كفضيلة وقيمة، وهو بهذا لا يقصد سوى رفعة وطنه وتنميته ونهضته وحمايته من أي سهام قد تصوب ناحيته، فله الرحمة من الله العلي القدير الذي اختاره إلى جواره، ونأمل أن تكون تجربته إحدى دروس الوطنية لأجيال مجتمعاتنا الخليجية والعربية.