في ظل التحولات الهائلة التي يشهدها قطاع الطاقة في العالم. توقعت مجلة (الإيكونومست) البريطانية في تقرير لها اقتراب (مبدأ كارتر) من نهايته. ويتصل هذا المبدأ الذي صاغه الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) عام 1980 بحق الولاياتالمتحدة في استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط ولا سيما الإمدادات النفطية. وعللت (الإيكونومست) ذلك بثلاثة تطورات مهمة، الأول ثورة النفط الصخري الأمريكي، والتي ستحول الولاياتالمتحدة إلى أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. فبعد عقود من تراجع الإنتاج منذ حقبة السبعينيات، يعود الإنتاج النفطي إلى سابق عهده بحوالي عشرة ملايين برميل يومياً. وهو ما سيقلص من حاجتها إلى الاعتماد على النفط المستورد، فضلاً عن ضح كميات إضافية من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. أما التحول الثاني فيتعلق بالصين التي تحاول الانتقال من اقتصاد مرتكز على الطاقة إلى اقتصاد خدمي ولكن مع الحفاظ على معدلات نموها الاقتصادي. فخلال السنوات القليلة الماضية حققت الصين تقدمًا مذهلاً لترشيد طلبها على الفحم والنفط، والحد من استهلاك الكهرباء، والتحول إلى الغاز والطاقة المتجددة، وذلك بهدف خفض الانبعاثات الكربونية. كما أن لديها أكثر الخطط الطموحة عالمياً لتبني السيارات الكهربائية. ويقول التقرير: إن هذين التوجهين يقودان إلى الثالث وهو التوجه العالمي لإنشاء نظام للطاقة منخفض الكربون لمحاربة التغيرات المناخية. وبحسب التقرير فإن اتفاق باريس عام 2015، يمثل علامة فارقة، لكن لا يزال هناك مسار طويل لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري. ويشير إلى أنه لتحقيق ذلك، يجب استثمار تريليونات الدولارات في مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات وشبكات الكهرباء ومصادر الطاقة النظيفة. وينوه التقرير إلى أن هذه التحولات في قطاع الطاقة أطلقت سباقا عالميا حول التقنيات المتقدمة، ولكنها في نفس الوقت أثارت المخاوف بشأن الوصول إلى المعادن النادرة والموارد الحيوية اللازمة لصناعة هذه التقنيات. وكما يقول (فرانسيس أوسوليفان) مدير الأبحاث بمبادرة الطاقة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، «إننا نتحرك من عالم حيث تكون قيمة الطاقة مرتكزة في المورد إلى حيث باتت التكنولوجيا نفسها هي المورد». ويشير التقرير إلى أن التأثيرات الجيوسياسية للتحولات داخل قطاع للطاقة ستكون الأكثر تعقيدًا. وفي هذا الصدد تم إنشاء لجنة عالمية لدراسة الجغرافيا السياسية للطاقة النظيفة في يناير الماضي تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة المتجددة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها. وكان الأمل السائد هو أن هذا التطور سيجعل العالم أكثر سلماً واستقراراً، حيث إن مصادر الطاقة المتجددة وعلى عكس الوقود الأحفوري، متاحة في أي مكان تقريبًا. وبالتالي يمكن أن تؤدي الجهود التعاونية لوقف الاحتباس الحراري العالمي إلى تطوير مصادر مفتوحة وتكنولوجيا مشتركة أمام الجميع. ومع ازدياد التحول نحو المصادر المتجددة مثلما يحدث في ألمانياوالصين وكاليفورنيا، قد تصبح مناطق عديدة أكثر قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، فيما يسمى (ديمقراطية الطاقة). وفي أفريقيا وفي أماكن أخرى، يمكن أن يؤدي تعزيز الوصول إلى مصادر الطاقة، عبر الشبكات الصغيرة وألواح الطاقة الشمسية، إلى الحد من نقص موارد الطاقة حتى في ظل ارتفاع عدد سكان العالم. ومع ذلك، فإن التحول قد يصاحبه الكثير من المعضلات الجيوسياسية. والمثال الأكثر وضوحا هو التحدي الذي ستواجهه اقتصادات الدول التي تعتمد على النفط. وفي هذا الصدد يقول (دانييل شولتن) الأستاذ بجامعة (ديلفت) للتكنولوجيا الهولندية في كتابه الجديد (الجغرافيا السياسية للطاقة المتجددة): إن الدول الخاسرة هى التي تنعم باحتياطيات وافرة من الوقود الأحفوري وتراهن على النفط لفترة طويلة دون إصلاح اقتصاداتها. ويشير أيضاً إلى أنه في نظام الطاقة التقليدي، فإن العائق الرئيس هو الندرة، على عكس مصادر المتجددة المتوافرة تقريباً في كافة الدول. وفي ظل تزايد الاقتصادات، التي تعتمد على الكهرباء للتعامل مع الطلب الإضافي على الطاقة يمكن أن تتضاعف المخاطر، فسياسة الشبكات الكهربائية يمكن أن تحل محل سياسة خطوط الأنابيب. فعلى سبيل المثال، عمد الأوكرانيون المعارضون لضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى قطع إمدادات الكهرباء إلى شبه الجزيرة في عام 2015. وفي الإطار نفسه يخضع الاستثمار الصيني في شبكات الكهرباء في أوروبا وأستراليا للتمحيص، لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كما أصبحت الاقتصادات الأكثر اعتماداً على الكهرباء أكثر عرضة من أي وقت مضى للهجمات الالكترونية. وبات في حكم المؤكد أن الجغرافيا السياسية للطاقة تتطور إلى سباق دولي الفائز فيه من ينتج أكبر قدر من الطاقة الخاصة به، ومن يستحوذ على أفضل تكنولوجيا. وفي هذا الصدد يقول (ميجيل أرياس كانيتي) مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون المناخ والطاقة: «إننا نسير في طريق لا رجعة فيه نحو الطاقة المتجددة، أولئك الذين لا يتبنون التحول نحو الطاقة النظيفة سيكون مصيرهم الخسارة في المستقبل».