الزيارة التاريخية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى لندن هي بحق نقلة نوعية في العلاقات بين الرياضولندن، ومرحلة جديدة في تطوير رؤية واقعية للشراكة الإستراتيجية التي تحقق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. فبين لندنوالرياض تاريخ طويل من العلاقة والعديد من القضايا الرئيسية التي يمكن ان تشكل أساسا متينا ترتكز عليه العلاقات في جانبها السياسي والاقتصادي والامني والعسكري. مع الأخذ في الاعتبار ان أهمية هذه القضايا لا تعني بالضرورة تطابق المواقف حيالها بشكل كامل، بل يمكن ان يكون لكل طرف منهما وجهة نظر قد لا تتطابق بالضرورة مع الأخرى في بعض الاحيان، إلا انه يظل التنسيق وتقريب وجهات النظر أمرا ضروريا. وأعتقد ان تأسيس مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي البريطاني خطوة مهمة لمؤسسة التنسيق بين البلدين ورفع درجته الى مستويات اعلى تعكس قوة العلاقة المستمرة في جوانبها المختلفة السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية. ففي الجانب الاقتصادي والتجاري تعتبر السعودية السوق الأكثر أهمية لبريطانيا في الشرق الأوسط حيث وصل حجم الاستثمارات البريطانية في السعودية حتى فبراير 2018م ما يقارب 3.3 مليار دولار (12.5 مليار ريال)، كما وصل عدد المشاريع البريطانية ل 374 مشروعا تنوعت ما بين المشاريع الخدمية والصناعية والعقارية والعلمية والفنية والتراخيص المؤقتة. وهناك استثمارات سعودية كبيرة في بريطانيا تصل إلى 21 مليارا. وقد تجاوزت العلاقات التجارية السعودية البريطانية في الخمس السنوات الماضية، ما قيمته 2.3 مليار مليار جنيه إسترليني، وقدر التبادل التجاري في البضائع والخدمات بحوالي 9 مليارات جنيه إسترليني في العام 2016. وفي ظل التغيرات العميقة والحراك الاقتصادي الذي يحدث في المملكة، تحرص السعودية على تنفيذ «رؤية 2030» وخلق فرص واعدة للاستثمار. وبالتالي تأمل أن تكون الشركات البريطانية لها حضور كبير في تنفيذ رؤية 2030 والاستفادة منها. في حين تتطلع بريطانيا الى شراكات اقتصادية جديدة استعدادا لمرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والذي اثر فعليا على وضعها الاقتصادي وخاصة بعد نقل مجموعة من الشركات الكبرى أعمالها من بريطانيا إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. ولو انتقلنا إلى جانب التعاون الأمني والعسكري بين الرياضولندن، ففي سبتمبر الماضي (2017) وقع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ووزير الدفاع البريطاني مايكل فالون اتفاقية إطارية للتعاون العسكري والأمني؛ بهدف تعزيزها وتطويرها وفقاً لرؤية 2030 التي تركز على تطوير قدرات المملكة في الصناعات الدفاعية. وقد كشف سفير بريطانيا لدى المملكة السيد/ سايمون كوليس أن هناك نية لوضع خط إنتاج لطائرات الهوك (العام القادم 2018) داخل المملكة من شركة (بريتيش ايرو سبيس) وأنه يتم التحضير حاليًا لإنشاء المصنع في المملكة لصنع تلك الطائرات. ويأتي اجتماع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مع وزير الدفاع البريطاني غافين وليامسون، خلال زيارته إلى لندن والتي وقع على اثرها مذكرات تفاهم، بهدف تفعيل الاتفاقية الاطارية في نقل وتوطين التقنية، والشراكة الصناعية والتدريب والبحث والتطوير والاستشارات الفنية وفق رؤية المملكة 2030. أما في مجال التعاون الأمني، فلرئيسة الوزراء البريطانية السيدة تريزا ماي عدة تصريحات عن أهمية المملكة كحليف مهم في مكافحة الإرهاب، وهناك تنسيق على أعلى المستويات في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب بين الرياضولندن، خاصة أن المملكة لديها تجربة طويلة في هذا المجال. وأخيرا في الجانب السياسي، الذي يعتبر له أهمية خاصة في ظل تسارع المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين السعودية وبريطانيا، فيلاحظ في السنوات الأخيرة أن مواقف المملكة المتحدة السياسية شبه متطابقة مع السعودية، سواء في اليمن وموقفها من الانقلاب على الشرعية في اليمن من قبل الحوثيين، أو موقف بريطانيا من تدخلات إيران في المنطقة، أو في الملف السوري كلها تكاد تكون متطابقة.