اخفض الصوت فالمقال فيه موسيقى. ليست في الخلفية بل كلها نغم. لن أخوض في مسألة التحريم والتحليل للموسيقى، ولكنني ما زلت أتساءل عن تصنيف ما يحرم ويحلل. فما هي الموسيقى؟ أليست أصواتا مختلفة مرتبة بترتيب متناغم لتنتج لحنا أو إيقاعا منسجما يمتاز بالجمال ويحرك العواطف؟ قد نجد منها ما لا نستسيغه ولكن مع ذلك نعدها موسيقى. بهذا التعريف نجد أن الحياة كلها موسيقى. عندما نعيش تجربة حسية معينة فإننا نستخدم حواسنا كاملة، وجزء منها السمع. والتجربة السمعية مؤثرة جدا على كيفية إحساسنا في المكان. فالأماكن الهادئة التي تزقزق فيها العصافير وتسمع بها صوت حفيف أوراق الشجر في الهواء وخرير الماء تختلف عن مجمع تجاري تتم مهاجمتك فيه من خلال الأصوات الصاخبة والمنعكسة من الأسطح الملساء لتختبر قوة تحملك وصبرك. هذه الأماكن ذات أنغام وألحان قد لا نصنفها كموسيقى، ولكنني أتساءل لما لا تندرج تحت نفس المسمى. عندما يذكر البعض ذكريات المدن القديمة يصفون تجربتهم كاملة بوصفهم ما كانوا يرون ويشمون ويسمعون لذلك أصوات الحياة اليومية هي جزء لا يمكن أن نخفض صوته. عندما أقرأ عن مدينة الرياض مثلا أجد أن المستشرقين والرحالة كانوا جميعهم يعلقون على صوت السواني التي كانوا يسمعونها على بعد مسافات بإيقاع معين يعتمد على سرعة البعير أو الحمار في سحب الماء من البئر في حركة مستمرة من الذهاب والإياب. كذلك مكائن البلاكستون، مضخات المياه التي استخدمت في الزراعة كانت ذات إيقاع فريد أصبح لا يتجزأ من حقبة تاريخية مهمة في المملكة. صاحب الغناء كذلك البناء قديما بمشاركة البنائين، فكان محفزا لهم ومحددا لسرعة الإنجاز كون حركة الجسم تتناغم مع اللحن. في الأفلام نجد الموسيقى المصاحبة أداة أساسية لسرد وتعزيز القصة ومن أهميتها الفنية تصدر وحدها في ألبوم تجسد تلك القصة. لطالما تساءلت عن أنه لو كانت حياتي فيلما ما الموسيقى المصاحبة لها؟ هل تطغى فيها المعزوفات التي تبعث بالنشاط والتفاؤل والانطلاق؟ ماذا عن الألحان الحزينة والتي تصاحب فترات التحدي؟ هل تكون معزوفات كلاسيكية أم من أغاني البوب أو غيرها؟ أم أن ألحان حياتي من محيطي اليومي؟ إن الموسيقى تحرك المشاعر وتؤثر على الجسم. لدرجة أن يقشعر لها البدن أو تجعل الدموع تنهمر من جمال التأثير. لها كذلك تأثير إيجابي على المزاج والصحة بحسب نوع الموسيقى التي نسمعها. فالدراسات متعددة في وصف فوائد الموسيقى. لعلنا نستمع بدقة لعالمنا ونميز الألحان التي تصاحب حياتنا. فصوت صف الصحون بالنسبة للجائع موسيقى، وصوت ضحكة الأطفال للأمهات موسيقى، وصوت النهر الجاري موسيقى، فهل نخفض صوت الحياة؟