وقع قادة 11 دولة في الأسبوع الماضي على النسخة المعدلة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، والتي باتت تعرف باسم الاتفاقية التقدمية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) في سانتياجو عاصمة تشيلي. ورغم أهمية تفاصيل الاتفاق، إلا أن الأكثر أهمية هو نجاح الدول الإحدى عشرة الأعضاء في إبرام الاتفاقية بدون الولاياتالمتحدة. فقد كان الافتراض السائد هو أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي ستنهار مع انسحاب الولاياتالمتحدة في عام 2016، ولكن الدول الأعضاء بقيادة اليابان وكندا واصلوا جهودهم لإحياء الاتفاقية وكان نجاحهم بمثابة مفاجأة للكثيرين. ويشير تقرير لموقع «نيكاي آسيا ريفيو» الياباني إلى أنه في الوقت الذي كانت توقع فيه الدول على اتفاقية التجارة الحرة الأكثر أهمية خلال 25 عاما الماضية، هزت تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم الأسواق العالمية وأزعجت الكثير من حلفاء واشنطن. وفي هذا الصدد، قالت «ديبورا إلمز» المدير التنفيذي لمركز التجارة الآسيوي في سنغافورة: إن هذا يظهر كيف انقلب العالم رأسا على عقب، فالولاياتالمتحدة التي أيدت في البداية الشراكة عبر المحيط الهادي، تتهيأ الآن للاستفادة منها بشكل كبير رغم أنها ستكون عرضة للخسائر بسبب انسحابها من الاتفاقية. ويدخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد ستين يوما من مصادقة ست على الأقل من الدول الموقعة وهي سنغافورة وأستراليا وبروناي وكندا وشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وفيتنام. وفي ضربة قوية لنزعة الحمائية التجارية التي تعتنقها الإدارة الأمريكية، ستخفض الاتفاقية التعريفات الجمركية في هذه الدول وهي تمثل مجتمعة أكثر من 13 في المائة من الاقتصاد العالمي – وبالجملة ما قيمته 12.4 تريليون دولار. كما أنها تمثل مجتمعة سوقا قوامه نحو 500 مليون شخص، مما يجعلها واحدة من أكبر ثلاثة تكتلات تجارية في العالم، وفقا لإحصاءات التجارة الشيلية والكندية. كما ألغت الاتفاقية المعدلة بعض البنود التي اشترطتها واشنطن في الاتفاقية الأصلية، وتشمل البنود الخاصة بحماية الملكية الفكرية للأدوية وعددها 20 بندا، والتي كانت تخشى حكومات الدول الأخرى من أن تتسبب في ارتفاع أسعار الدواء. وفي مقابل ذلك خففت الدول الأعضاء قليلا من القواعد التجارية، وكفلت حرية النشاط الرقمي. وفي حين يسعى ترامب إلى حماية صناعات القرن العشرين المتدهورة مثل الصلب والفحم، فقد تبنت الدول الأعضاء بالاتفاقية مجموعة جديدة من القواعد والتي من شأنها أن تغري الشركات متعددة الجنسيات على دخول اقتصادات آسيا المزدهرة. كما ستعظم من قدرات البيانات الضخمة لدى الدول الأعضاء وهو ما يساعد بشدة في تعزيز الابتكارات داخل مجال الذكاء الاصطناعي. وتؤكد إلمز أنه ليس هناك اتفاقية تضاهي هذه الاتفاقية الشاملة منذ اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، لعام 1994 مشيرة إلى أنه من المرجح أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ خلال العام الجاري. ومن المتوقع أن توفر الاتفاقية فرص عمل هائلة أمام الشركات في قطاعات متنوعة، فضلا عن المشاركة في أعمال التوريد الحكومية بالبلدان الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، ستعزز التدفقات التجارية والاستثمارات من خلال إتاحة مناخ جاذب للاستثمارات ووضع القواعد الضرورية للتصدي لأي معوقات تجارية. ويشير التقرير إلى أن الاتفاقية ربما لا تسفر عن فوائد اقتصادية فورية للدول الأعضاء، ولكنها ترسل إشارة واضحة إلى أن الدول الإحدى عشرة في آسيا وأمريكا اللاتينية قد عقدت العزم على تعزيز التجارة العادلة والأسواق الحرة فيما بينها وفي نفس الوقت رفع راية الرفض في وجه سياسة ترامب «أمريكا أولا».