يموت نرجس (narcissus) ذابلًا هزيلًا وهو يحدّق في انعزال تام عمّا حوله إلى انعكاس وجهه الذي كان جميلًا على ماء الغدير. وفي رواية أخرى للأسطورة، يموت غرقًا إثر سقوطه في الماء بينما هو يتأمل «صورته» المائية. وسواء يموت الميتة الأولى أم الثانية في الرواية الأخرى، فالغرق هو السبب في الميتتين. فإن لم يمت غرقًا في الغدير، فالأكيد انه يموت غرقًا في عشق الذات الذي بلغ في حالته مداه الأقصى، فأصبح ينسب إليه ويحمل اسمه. والأكيد أيضا أن النرجسية لم تمت بموت نرجس، وأن عشق الذات المفرط في إسطورته ليس إلا تمثيلًا لما هو في الواقع الحقيقي. وفي الواقع الحقيقي، لا يوجد إنسان ليس فيه شيء من نرجس. نرجس فينا -أو لأقل في الغالبية منّا- عندما نقف في الصباحات أمام المرايا ونحن نتأهب للخروج إلى العمل، أو إلى السوق، أو في زيارة للأهل والأصدقاء. نرجس هو الذي يجعلنا نعلق المرايا الغدران على الجدران في مواقع عدة في بيوتنا حتى في دورات المياه، هو الذي يجعلنا نحتار في معرفة سبب وقوفنا أمام نوافذ العرض «الفترينات» أهو للنظر إلى المعروضات أم إلى انعكاسات وجوهنا وهندامنا على زجاج الفترينات. وجاءت كاميرا الموبايل لتجعل شاشته ليس الغدير الذي نحدق إلى انعكاس وجوهنا عليه فحسب، بل نقبض بواسطتها على وجوهنا المنعكسة عليه بصور«سيلفي» نبثها إلى بعض. لكن التطور الذي لم يتوقعه أحد هو أن غدير الموبايل الذي أظهر عشق الذات في أنصع صوره، ونمّاه، اتضح أنه مخادع بطريقة تخدش وتجرح عشق الذات؛ لأن الصورالملتقطة عن قرب تحدث تحريفًا في تناسب قسمات الوجه خصوصا في الأنف بسبب بروزه إذ يظهر في السيلفي أعرض بنسبة 30%، وأرنبته أكبر بنسبة 7%، حسب ما نقلته صحيفة (الغادريان) في مطلع مارس الجاري عن تقرير للأكاديمية الأمريكية لجراحي تجميل وترميم الوجه. وكان من نتائج تأمل الوجوه في سطح غدير الموبايل والقبض عليها في «سيلفيات» أن ارتفع عدد عمليات التجميل لتظهر الوجوه جميلة في السيلفي بنسبة 55% وفقاً لنفس المصدر!