يقول التاريخ إن أول مرآة استخدمها الإنسان كانت برك الماء الساكنة، ومن بعدها قام الإنسان يبتكر المرايا ويصنّعها بأشكال وأحجام متعددة، حتى أصبحت اليوم في كل مكان وفي كل زاوية. وقد لا يمر يوم إلا ويرى كل شخص وجهه فيها، في الصباح، في المساء، عند التعب، عند الشوق، عند الوجْد والوجود. تقول الأساطير اليونانية إن «نركسوس» أو «نرجس» كان آية في الجمال، وذات مرّة جلس بجانب بحيرة فرأى انعكاس صورته عليها، فأعجبته نفسه فاغترّ بها حتى غرق ومات، مات نرجس ولم تمُت النرجسية. وفي عصر الألفية الثالثة هذا، هناك الكثير من نرجس والكثير من المرايا. قد لا يكن هناك «نرجس» لو لم يكن هناك «مرآة»! المرآة العاشقة: هي تلك المرآة التي يُرى من خلالها من تُحِب. المرآة الرائعة: هي تلك المرآة التي تُحسّن صورتك وإن كنت قبيحًا وسيّئًا. المرآة القبيحة: هي تلك المرآة التي تشوّهك وإن كنت رائعًا وكريمًا. المرآة المُعلِّمة: هي تلك المرآة التي تُعلّمك كيف تنطق الحروف والكلمات بشكل مُبهر. المرآة المُلهمة: هي تلك المرآة التي تلهمك ألف فكرة وفكرة عندما تراها. المرآة الحزينة: هي تلك المرآة التي شُطبتْ في جسمها، ولا أحد يواسيها ويقول: ما بكِ؟ المرآة الطيّبة: هي تلك المرآة التي فيها ألف شطب وشطب، ومع ذلك تُواسي وتُسعِد وتزيِّن. …. لا تقف المرايا عند هذا الحدّ، هناك الكثير والكثير منها. من تلك المرايا مرآة استثنائية، لا تُشبه أخواتها، ترتفع عنها بتواضع وجمال، يقول جلال الدين الرومي: «أتدري لماذا لا تُنبئ مرآتك؟ ذلك أن الصدأ لم يُجْلَ عن وجهها بعد». وهو صدأ الكُره، الحقد، الحسد، الجهل.. وصدأ كل الصفات السيئة، ومتى ما تخلّصنا منها انجلت مرآتنا بصفاء ونقاء وحُب، ومتى ما تراكم الصدأ عليها ظهرت الجرائم البشعة والأفعال القبيحة. انظروا حولكم ستجدون غيرها الكثير، ذلك أن النّاس كالمرايا تمامًا. وائل السلمي