حدث لنا جميعا على الأغلب أن قمنا بالإدلاء برأي أو ملاحظة بريئة، فأخذها شخص آخر على محمل مختلف، كمثل تلك الدعابة حول اثنين من الأطباء النفسيين يلتقيان في الشارع فجأة فيقول أحدهما للآخر: صباح الخير، لكن الثاني لا يرد التحية، بل يمضي في طريقه يهز رأسه متسائلا مع نفسه، تُرى ماذا كان يعني بهذا التصرف؟. مهما كانت القواعد، التي نتبعها في تعاملاتنا، فنحن لا نضمن عدم حدوث استجابات غير متوقعة، وألا تسير الأمور في المسار، الذي ننشده رغم بذلنا الجهود، فبعض الأشخاص لديهم موهبة أخذ الأمور على محمل سلبي وقراءة كل ألوان المعاني الغريبة في أي تعليق عفوي، وقد يحدث العكس أحيانا من جانبنا، فنسيء فهم الآخرين كما يساء فهمنا، كما لو كانت هذه هي الضريبة التي علينا أن ندفعها لامتلاكنا العقل. يوجد معنيان على الأقل لكل خطاب؛ المعنى الذي تقصده، والمعنى الذي يتم استقباله، وأغلب الوقت يتناسب المعنيان بما يكفي لتحقيق التفاهم، وأحيانا يصطدم كل معنى بالآخر اصطداما عنيفا، وهذه من مفارقات الحياة، فنحن نحكم على أنفسنا تبعا لنوايانا، وحين تسير الأمور سيرًا حسنا ننسب الفضل إلينا، وعندما نخطئ نقرر أن نوايانا كانت حسنة ولم نتعمد، أما إذا أساء الآخرون، فنحاكمهم تبعا لنتائج تصرفاتهم، فمن وجهة نظرنا هم أغبياء وحاقدون. ماذا لو عكسنا الحال؟ فحكمنا على الآخرين تبعا لحسن نواياهم وعلى أنفسنا تبعا لنتائج أفعالنا، فلن نبرر حينها تسببنا في إرباك موقف ما بأن نوايانا كانت حسنة، وإذا لم تسر الأمور كما نرغب فسنركز على تغيير سلوكنا بدلا من مهاجمة الآخر، وعندما يضغط أحدهم على مشاعرنا فلن نفترض تلقائيا بأنه أحمق، بل سنبدي شيئا من التفهم لحسن نواياه الداخلية ونؤجل إصدار الأحكام. نظن دوما أننا نستجيب للعالم الخارجي في تصرفاتنا، لكننا في معظم الوقت نستجيب للعالم الداخلي ونصنف استنتاجاتنا بأنها حقائق، لكنها مجرد أصوات نهمس بها لأنفسنا، وأفكار تدور في رؤوسنا، وحين نقوم بفلترة استجاباتنا فنحن نقوم برسم حياة أجمل لنا.