ما زالت سوريا بعيدة عن تحقيق السلام رغم وجود شبه اتفاق على أن تنظيم داعش قد تمت هزيمته في هذا البلد. فالاطراف التي تخوض الحرب لم يعد هناك عدو مشترك يجمعها، ولهذا انهمكت في تحقيق مصالحها وصارت القوى الكبرى تتصارع ويريد كل طرف الحصول على شريحة من اشلاء بلد مزقته الحرب. في حلب مثلا ما هو القاسم المشترك الذي يمكن ان يجمع بين مقاتلي الميليشيا المستجلبة من العراق وافغانستان تحت قيادة إيرانية وبين القوزاق الروس؟ للأسف هناك اكثر مما يمكن ان تتصوره. فقد اشتركوا معا في هجوم قاده حوالي ثلاثمائة مقاتل في السابع من الشهر الحالي عبروا نهر الفرات على جسر عائم في محاولة للاستيلاء على اكبر حقول الغاز الطبيعي في شرق سوريا لصالح نظام الاسد فسارعت الولاياتالمتحدة لقصفه من الجو. وحقل كونكو يقع بالقرب من مدينة دير الزور وقد تمت استعادته من داعش في شهر سبتمبر الماضي قوات كردية بمساعدة أمريكية. ما حدث حكاية مربكة، لكنها تفصح الكثير عن الوضع الخطير الذي دخلت اليه الحرب في سوريا. فمحاولة الاستيلاء على حقل كونكو الذي لقي حوالي 100 مهاجم حتفهم فيه في الضربات الجوية الأمريكية، هو واحد من عدة اشتباكات بين القوى العسكرية المتصارعة في البلاد. سوريا اليوم أضحت ساحة صراع مكشوف بين القوى العالمية كالولاياتالمتحدةوروسيا والإقليمية كتركياوإيران وإسرائيل، كلها تقاتل لتحقيق مصالح خاصة غير عابئة بما يتكبده السوريون وبلادهم. والآن فإن خطر مواجهة لم يخطط لها صار وشيكا وبلغ الصراع مرحلة معقدة يصعب على غير القريبين منه فهم منطلقاته وأهدافه. في الأسابيع القليلة الماضية اتخذت الحرب مسارا مختلفا. فمن جهة يواصل الجيش التركي هجومه على وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين شمال سوريا. كما وجهت اسرائيل ضربات جوية مدمرة قالت إنها قضت فيها على نصف المضادات السورية بعد اسقاط احدى طائراتها الحربية في اعقاب اختراق طائرة ايرانية بدون طيار مجالها الجوي. وتلا تلك الأحداث الاشتباك الغامض بالقرب من حقل الغاز والذي وصفته بعض التقارير بأنه اشد المواجهات دموية بين قوات روسية وأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة، وكان الجديد في هذه العملية مقتل مرتزقة روس قدرت بعض المصادر عددهم بحوالي مائة مقاتل. والوجود الاجنبي المسلح في سوريا ليس جديدا ولم يعد يثير الاهتمام، لكن تفاقم النزاع في الايام الاخيرة ارجعه البعض الى زوال عدوهم المشترك. فقد كان تنظيم داعش الهدف الرئيس لجميع القوى الاجنبية على الارض السورية منذ خريف عام 2014. واليوم بعد هزيمة تنظيم داعش الذي اصبح مقاتلوه بمثابة جيوب صغيرة، متفرقة لم يحصد الناس السلام والأمن وصار الجميع يفصح عن حقيقة وجوده لاسترداد الثمن شريحة من الارض السورية. الحرب ضد داعش جاءت بالقوات الامريكية الى سوريا، وقبلها جاء الروس، ثم الايرانيون لحماية نظام الاسد. ووسط ذلك تم استخدام الاكراد في الحرب على داعش فوجدوا أنفسهم يسيطرون على ربع البلاد ويريدون البقاء هناك ان لم تكن لديهم اهداف توسعية عبر الحدود، وهذا ما جعل تركيا ترسل قواتها لتفكيك ذلك الوجود، لكن تقدم تركيا جعل الامريكيين ينتقلون الى المنطقة المحيطة بدير الزور لمنع وقوع حقول النفط والغاز في يد اي جهة منافسة. والأمريكيون يستخدمون الأكراد لتعزيز مصالحهم الخاصة ومثلهم الأتراك يستخدمون بالاضافة لجنودهم سوريين سابقين مناهضين لنظام الأسد ليقاتلوا نيابة عنهم. وفي المقابل لدى ايران خليط من العراقيين والافغان والباكستانيين المؤدلجين، بالاضافة لجنودها لابقاء حليفها الاسد في السلطة ايا كان الثمن. ويتسع الصراع بين القوى المتنافسة على موطئ قدم في سوريا يوما بعد يوم، وما هو جديد هنا هو ظهور بوادر خلاف بين روسياوايران حليفتي نظام الاسد، فموسكو من جانبها تريد تحقيق الاستقرار والمنعة في الداخل وحصاد تدخلها في سوريا لتحل محل واشنطن كأهم فاعل في الشرق الأوسط، فيما تعمل إيران على توسيع نفوذها بالمنطقة، وفتح مسار عبر العراقوسوريا الى البحر الابيض، ذلك أن الحرس الثوري الإيراني يريد فرض سيطرة دائمة على سوريا وتحويلها الى دولة صفوية تابعة للولي الفقيه في المستقبل.