اختلفنا وتناكفنا كثيرًا وخرجت كلمات هنا وهناك عن النص، وزارت الضغينة قلوبنا غير مرة على بعضنا، ومكثنا في جزيرة الغيبة تارة والنميمة تارة أخرى، ورسى قاربنا على سواحل الحسد والحقد في بعض أسفارنا مع الآخرين. نعيش زمن العجائب.. زمنا متناقضا نرى فيه كثيرا من التناقضات وكثيرا من المتناقضين، نشاهد فيه المصفقين ونرى المستنكرين، لكننا نقف على مسافة واحدة من الجميع نتعجب في صمت مما نراه بأعيننا وتسمعه آذاننا من تناقض. ثقافة محاربة البعض لخصمه بسيف غيره حتى لو كان من جزر الواق واق أصبحت ظاهرة تستحق الشفقة لمن يستخدمها ويروج لها ويتفاعل معها، لأنها تترجم درجة الحرمان الذي يعيشه البعض، وإذا كانت في السابق مكتومة ومخفية، فإنها في زمن اللا توازن تحولت لمفخرة وشجاعة وأحيانا يراها بعض المرضى (شرفا). كل ذلك وأكثر يحدث لنا في كثير من المحطات، لكن دائما ما تكون هناك محطة تنبت في صحراء نفوسنا القاحلة بذرة خير، وثمرة ورع، وزرعًا من بستان الروح التواقة للتسامح والعفو والبذل والعطاء في أجواء تغسل كل ما مضى في رحلة (الأنا). يحلو لقاربنا الذي تقاذفته أمواج الحياة في زحمة النسيان أن يرسو على شواطئ المحبة لينازع كل كراهية، ويقربنا أكثر للآخر الذي يبعد (الأنا) ويذوب في المجموع في ملحمة إنسانية كبرى، ليتحول كل ألم لأمل، وكل خلاف لمحبة، وكل عراك لتسامح، وكل بخل لكرم، وكل حقد لمودة. تعالوا نسبح في بحيرة التسامح لكل مَنْ اختلف معنا أو اختلفنا معه، والمبادر هو الكريم. نحن بحاجة أن ننتفض على خلافاتنا التي زرعها منطق (الأنا) ونزرع بدلا عنها (المجموع) الذي يزيل المطبات المصنوعة في طريقنا، فالظلام لا يخيف من أوقد شمعة في طريقه، والضوء لن يفسح الدرب لمَنْ أغمض عينه. تماما كالذي يحول الأرض القاحلة لواحة خضراء، وآخر يقتلع الزرع والزهر ويحول البستان لأرض شمطاء. وبين الظلام والنور حكايات تبدأ، وأخرى تمرض، والبعض منها يموت، لكن الحكايات الكبيرة تبقى في الذاكرة، ويعجز النسيان عن هزيمتها حتى لو توارت عن الأنظار، تبقى في كل ركن، وتظهر في كل الزوايا، وتفوح منها ذاكرة الفرح، فهي كل العناوين المرتبطة بالمكان والزمان.