إن القلم ليخجل في الكتابة عن بطولات أطفال فلسطين، فهم في كل يوم يسطرون أروع التضحيات التي نعجز عنها، ولكني أرجو أن يعذروني، فإنني لا أملك إلا قلمي. وإنني أشعر أن قلمي قزم أمام أفعالكم البطولية، ولكن لعلي أكتب اليوم شيئا قبل أن يجف القلم غدا ثم لا ينفع الندم. لقد اهتز وتأثر البعض لتلك الصورة الصادمة لذلك الطفل (فوزي الجنيدي) ذي الستة عشر عاما وهو مقاد ومحاط بفصيل من جنود الاحتلال الإسرائيلي، فما بالنا لا نهتز ونهز باقي العالم ليعرفوا الحقيقة المغيبة؟. أكثر من 23 جنديا مدججين بالسلاح والعتاد وواقي الصدر للرصاص، وأحدث التكنولوجيا من أجل اعتقال طفل!. ذلكم المشهد يراه بصير القلب كأنهم قبضوا على أسد عتيد ضرغام، ولقد ذكرتني تلك الصورة ببطل وأسد ليبيا عمر المختار -رحمه الله- في مشهد القبض عليه. هذا الجيل يرسم لنا كل يوم صورا عجيبة وعظيمة في التضحية، وما زال الجيل يُنجب شهداء وأحياء أبطالا في معركة غير متكافئة من حيث القوى وميزان البشر، ولكنها من حيث الإيمان والتضحية هي تفوق كل مقاييسنا البشرية، هؤلاء الأطفال كان لا بد أن يُطلق عليهم كلمة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه «الرجل الخارق - السوبرمان». أين هي السينما العالمية من مثل هؤلاء الأبطال؟ لماذا لا تقتبس تلك الصورة البطولية الخالدة التي أصبحت جزءا من حياة الطفل الفلسطيني اليومية؟، بل أين هو العالم العربي السينمائي والإعلامي الذي أشغلنا ببعض البرامج والأفلام الهامشية والهابطة والتي تُصرف عليها الملايين من الدولارات؟! إن هذه القضايا المهمة المصيرية تحتاج إلى اهتمام خاص وضروري من رعاة الإنتاج والسينما لأنه هو مجال الإبداع الحقيقي حيث الرسالة الخالدة التي تحسب لهم، وهي تأريخ للأجيال من بعدهم، إن أجمل الإبداعات تخرج من رحم المعاناة حيث توظف تلك المواهب في قضايا مهمة وعظيمة، وقد سطر وأبدع بعض كبار الفنانين في أوروبا عندما تحدثوا عن الملاحم والقضايا التاريخية التي تمس حياة شعوبهم، وكذلك سطر العرب والمسلمون من قبل أروع الشعر والنثر حيث كان ذلك في زمنهم هو الإعلام العالمي، ولذلك خلدها التاريخ. واليوم يأتي دور الإعلام المرئي والمسموع العربي في تأجيج الإعلام العالمي على الاحتلال الظالم للقدس وفلسطين، ولينقل هذه الصورة (وغيرها الكثير) وتحويلها إلى أفلام خالدة بعباءة سينمائية مؤثرة تضغط على الرأي العام في أوروبا وأمريكا وآسيا وكل أنحاء العالم، ولعلنا نتخيل الأثر الذي سيتركه فيلم عن معاناة الأطفال في فلسطين لو فاز بجائزة دولية كبرى، وعُرض في كل صالات العالم، فسوف تتوالى الأفلام التي تصور الحقيقة. إن الانتصار في مجال الإعلام العالمي هو جزء مهم من الانتصار على أرض الواقع. وها هي هوليوود لا تفتأ تصور بطولات جنودهم في كل مكان على أنهم الجنود البواسل الذين لا يموتون ولا يقهرون حتى آخر رمق من الفيلم!. ويصورون تلك بطولات (التي لا نعلم عن صحتها على أرض الواقع!) في البر والبحر والجو، وذلك جزء من الدعاية، ونحن نملك أفضل الأفلام الحقيقية والواقعية لأفضل البطولات، ولكننا للأسف نملك أضعف دعاية وإعلام، وكان جوزيف غوبلز وزير الدعاية لهتلر يقول: اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس، فما بالك بتأثير من يملك الحقيقة ولا يحتاج إلى الكذب! إذا استمر هذا الجيل من أطفال فلسطين بنفس النمط من التفكير والهمة والبطولة، فسوف يؤثرون يوما في الأحداث المصيرية للمنطقة وللعالم، فمعظم النار من مستصغر الشرر. وختاما، أيها الطفل الفلسطيني البطل إن كان العالم لا يعلم عنك شيئا، فيكفيك فخرا وشرفا أن رب العالمين يسمع ويرى.