قال الشاعر عبدالله سعيد إن النص النخبوي مطلوب، والرمزية غالبًا تتشكل في عوالم النص.. مشيرًا إلى أن أغلب الشعراء يعانون السرقات الشعرية وأن عليهم الاهتمام بتوثيق تغريداتهم عبر المؤسسات الإعلامية لدور النشر لضمان عدم تعرّضها للسرقة. إضافة إلى كثير من المواضيع المتعلقة بالساحة الشعبية تحدث عنها ابن سعيد في هذا الحوار. * لماذا أنت مُقِل في نشر قصائدك؟ * ربما هي كينونة القصيدة الملاصقة لكينونة الشاعر في النمو والتشكّل وتراكم القناعات والآراء.. النص الذي يعيش مع الشاعر ويختمر الرؤية ويظهر كيوم عيد. في الحقيقة لم يكن هذا الأمر مصطنعًا بقدر ما هي الحالة الشعرية التي تحط رحالها حيث وكيفما تشاء. * كثير من المهتمين بالوسط الشعبي يعتقدون أن القنوات الشعبية المعنية بالشعر تعمل بلا منهجية ولا تخطيط، ولم تقدم المأمول للشعر الشعبي..هل تذهب مع هذا الرأي؟ * قبل ذلك علينا أن نتساءل عن المأمول للشعر الشعبي! والأهم من ذلك هو تساؤلنا عن فكر أغلب الشعراء الشعبيين، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن جمهور الشعر هو نتيجة الشعر والشاعر. والعملية الإبداعية المكونة من تلك الأطراف الثلاثة هي فلسفة الفكر ومنهجيته. القنوات تتحمل جزءًا بسيطًا من هذه العشوائية، ولكن مسؤولية المشهد الشعري تقع على عاتق المبدع والمثقف والشاعر. * هناك من يعتقد أن الرمزية تمنح النص الشعري شكلًا غامضًا وبصفتك أحد كُتاب مثل هذا الشعر هل تتفق مع هذا الاعتقاد؟ * النص النخبوي مطلب بلا شك، والرمزية غالبًا ما تتشكل في عوالم هذا النص.. لكن الشاعرية ليست حكرًا على الرمزية أو غيرها، عبدالله سعيد كشاعر، يستخدم أدوات الكتابة ونوعيتها حسبما يقتضيه الغرض من ذلك، فليست الرمزية في كل الأحوال هي الحل والمفتاح السحري للكتابة. * لماذا لا نشاهد لك حضورًا في الأمسيات الشعرية؟ * دوري كشاعر يقف عند هذه النقطة، والواجب علي حرصي واهتمامي بما أكتب، وهنا يأتي دور المؤسسات الثقافية في الحرص على تواجد الشعراء والمثقفين في المشهد بشكل عام، وعلى المبدع أن يعي كل المعوقات والتحديات التي قد تواجه موهبته ويتخطاها، الأمسيات ليست أكثر أهمية من نتاج الشاعر وخلوده في وجدان المتلقي. * بعض تغريداتك تتعرض للسرقة وتذيل بأسماء آخرين هل كان لك موقف حيال هذا الامر؟ * اعتقد أن أغلب الشعراء يواجهون تلك المشكلة، وهو أمر لا مفر منه مع توسع النوافذ الالكترونية وانتشار وتفريخ مواقع التواصل.. لكن الواجب على الشاعر أن يحد من تلك الظاهرة بتوثيق تغريداته عبر المؤسسات الإعلامية ودور النشر، وهو ما أنا بصدده، وقد انتهيت من المرحلة الأولى وهي مرحلة التوثيق، وأعمل حاليًا على البحث عن دار نشر لأعزز من خلالها الحفاظ على ما كتبت. * قصيدة (أخبار الشتا) من أجمل قصائدك التي طرحت مؤخرًا.. هل من الممكن معرفة أسرار كتابتها؟ * تأتي بعض النصوص أو أغلبها كردة فعل، هذا النص وُلِد في غربة، ويعيش في غربة، ولا أعلم كيف ستكتب له النهاية، الغربة التي تلاحقنا بتغيّر الكثير من المفاهيم، بل انعكاسها وارتدادها، هذا الارتداد الذي خلق فجيعة الإنسان بالإنسان، حتى سقطت الإنسانية من مكان سحيق!! هل لك أن تتصور أخي الكريم أن يأتي شخص ويقول لك أثناء تأدية عمل أو واجب إنساني: «يا أخي أنت والله مسكين، اترك هالشغلة وغيرك مفروض يسويها».. هنا عندما تصبح صاحب إخلاص وتضحيات، تخونك الدنيا برمتها، تخونك فقط لأنك لم تخن الناس والتراب الذي ولدنا عليه وعشنا.. تخونك الدنيا لأنك لم تنسق خلف «بندق الشرهة» و«رماي العتاب»، من هنا انطلقت فكرة النص، ولا يزال يحمل الكثير من الأسرار التي لم ولن أبُح بها ما حييت. * لك تجربة في كتابة المقال.. هل هذا نوع من التمرد على القصيدة أم هناك أسباب ودوافع أخرى جعلتك تتجه للكتابة؟ * الكتابة بكافة أشكالها هي فضاء المبدع المتعدد الآفاق، وكتابتي المقال تحتمل المحاولة والتجريب، وتحتمل كسر الجمود والجفاف الذي يمر بالمبدع أحيانًا، وتحتمل التمرد على القصيدة كذلك.. أضف إلى ذلك أن التنوع تؤتى أكله فيما بعد للمبدع والمثقف بشكل عام. * المعروف عنك إجادتك شعر العرضة الجنوبية بحكم الموقع الجغرافي والقرب من شعراء العرضة.. هل راودتك فكرة المشاركة بفعالية في ساحة العرضة؟ * الموقع الجغرافي حتّم علينا ممارسة ألوان شعبية عدة، منها العرضة والمحاورة والمجالسي.. لكنها من وجهة نظر خاصة ليست أكثر من ألوان شعبية فلكلورية تتأتى بمشاركة أكثر من طرف لأدائها.. وغالبًا ما تكون بمنأى عن الشعر، إذ إن تلك الألوان يكون اعتمادها في المقام الأول على الجانب الصوتي «الألحان» والجوانب المرئية.. ولا شك في أن هاجس المشاركة موجود طالما أننا نعيش أجواء تلك الألوان، ونهجس بألحانها الجميلة. ويظل شعر النظم أيًّا كانت طرائقه، الهاجس الأول بلا منازع. * بعد تقديمك الكثير من القصائد من خلال النشر في وسائل الإعلام المتعددة ومشاركتك في بعض المناشط والفعاليات والأمسيات.. ماذا تشعر تجاه القصيدة وما حكاية البحث عنها؟ * شعوري تجاه القصيدة، هو التسليم بالحقيقة والمجهول معًا.. أنت ستكتب ما تؤمن به، ولكن هل ستكتب القصيدة؟ في هذا التساؤل تكمن الفكرة، أو كما قلت في أبيات سابقة: محبوس خلف الأمل خلف الظما والسنين أحيان اجي محتمل واحيان اجي باليقين واكتب حروف وجمل بس ما دري أكتب لمين ؟ وبهذا الشعور يستمر البحث عن القصيدة، وتستمر الحيرة في الوصول إليها، وتروى فصول حكاية البحث عنها دون الانتهاء منها، ودون الوصول إلى نقطة الوصول. * اتجه بعض الشعراء في الآونة الاخيرة لطرح قصائدهم عبر المنشدين.. هل تؤيد مثل هذا التوجه؟ * رغم عدم تأييدي لذلك، ولكن لا يعني أنهم على خطأ، فمهما اختلفنا على وجودهم من عدمه، يظل فضاء له محبوه وعلينا احترام ذائقتهم. o هل فكرت في إصدار ديوان شعري؟ * متى ما وجدت دار النشر المناسبة، وسيكون هناك أكثر من فكرة للديوان بإذن الله. * كلمة أخيرة؟ * تبقى الآراء حرية مكفولة لأصحابها ما لم يكن المساس والتجاوز، سواء على شعوب أو أفراد، أعتذر إن أخطأت سواء هنا أو في أي مكان آخر.. وأشكر صحيفة (اليوم) على هذا الاهتمام، وألف محبة وتقدير لك ولهم وللقارئ الكريم.