فرض مصطلح المواطنة نفسه منذ فترة على ساحات الفكر الاجتماعي والسياسي. ولا يزال هذا المصطلح يطرح في كثير من السياقات والحوارات والمؤتمرات، بل يرتبط بغيره من المصطلحات والقضايا الأخرى التي أفرزتها المتغيرات المعاصرة، وإن كلمة مواطنة هي في الأصل تنبع من كلمة وطن وترتبط بلا شك بمصطلح المواطن، ولذا عندما نطرح مفهوم مواطنة فنحن نتحدث عن حالة تتضمن وعيا شعوريا بالكيان الوطني في سياق الانتماء والولاء والحالة الوطنية التي تجسد العلاقة بين المواطن والوطن أو الدولة التي ينتمي إليها المواطن. وفى ظل هذه العلاقة تنشأ علاقة الأخذ والعطاء في صورة الحقوق والواجبات في أبعادها الإنسانية والقانونية وعبر صيغة وطنية في أرقى مستوى لها، فالمواطنة تتضمن حقوق المواطن ودور الدولة تجاه مواطنيها، وعلى الجانب الآخر تتضمن واجبات يجب على المواطنين القيام بها انطلاقا من عمق إحساسهم بمسؤوليتهم تجاه وطنهم وانتمائهم له، ولهذا ينظر إلى المواطنة باعتبارها مكانة وعلاقة اجتماعية تقوم بين المواطن والدولة في ظل انتماء وولاء المواطن لدولته، وتكون الدولة هنا مسؤولة عن الحفاظ على مصالح مواطنيها ورعايتهم. وعندما نتحدث عن المواطنة يجب أن نشير إلى إحدى القيم الأساسية لها، وهى قيمة المسؤولية المجتمعية، وهى قيمة تحمل بين جانبيها الحقوق والواجبات أيضا، فالمسؤولية المجتمعية بمثابة ترجمة حقيقية لإيمان المواطن بكل القيم والمعتقدات القائمة على الولاء والانتماء للوطن، وتتضح المسؤولية المجتمعية في الواقع في شكل سلوك عملي، يمثل في فهم المواطنين لواقع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لوطنهم، وفهم حقيقي وواعي للمشكلات المحيطة به، ليس ذلك فقط بل السعي الجاد للمشاركة والمساهمة الفعلية في حلها للحفاظ على المصلحة العامة للوطن والمواطنين، وتنبع المسؤولية المجتمعية من الانتماء الحقيقي للوطن والاستعداد للتضحية من اجله والحفاظ على سلامته واستقراره وقيمه وتراثه وثقافته، وأيضا أداء الواجبات على أتم وجه فى جميع مجالات الحياة، وفى المقابل يلتزم الوطن بتوفير الأمان والحماية والعدالة والمساواة بين مواطنيه وتحقيق التنمية وأهدافها، وما أجمل أن تتجسد المواطنة في المشاركة والمسؤولية المجتمعية والولاء والانتماء عبر البذل والعطاء والتضحية من اجل نصرة الوطن ورفعته. وكذلك تتضمن المواطنة قيمة التسامح، تلك القيمة التي تثري قيمة المحبة والتعاون بين الناس، بعيدا عن العنف والتطرف. التسامح ثقافة ترتقي بها جوانب الحياة الإنسانية والاجتماعية، وتتولد عنها صورة لتلاحم النسيج المجتمعي وتحقيق التضامن والتماسك، وهنا يجب العمل على توعية أبناء المجتمع بمفهوم المواطنة وما يرتبط بها من واجبات وحقوق، فهذا يدعم قيم المواطنة لديهم ويسهم فى إرساء الفهم الواعي والمستنير لأبعادها لتصبح المواطنة سلوكا حقيقيا في تفاعلات المواطنين فى مجريات الحياة اليومية، وما أجمل أن نفعل قيمة المواطنة بما تتضمنه من قيم الانتماء والولاء والتسامح والمسؤولية والمشاركة وقبول الآخر. اللهم احفظ شعبنا ووطننا من كيد الحاقدين.