أكثر من أربعين عاماً مضت والفن التشكيلي في المملكة بين تجارب شخصية ومحاولات للنهوض بالذائقة البصرية، حاول النخبة من الرواد تأصيل الفن في ردهات المعارض، وتشجيع المجتمع بقبول الفن. وهذه النخبة من رواد الفن في المملكة عانت الكثير لقبول أفكارهم الفنية، ولو عدنا لما قبل أربعة عقود من الزمن لوجدنا المرحوم السليم والمرحوم الرضوي وصفية بنت زقر ومنيرة موصلي كيف كانت محاولاتهم في الفن، وكل الأجيال من بعدهم كيف بدأت مسيرتهم الفنية، كانت الموهبة كفيلة باستمرارهم، وحبهم للفن جعلهم مستمرين لآخر رمق في حياتهم، لم ينتظر أحد منهم التكريم في ذلك الوقت، بل كانوا مُشجعين لجيلنا نحن الشباب، وكانوا يدفعون بنا للمشاركات المحلية والخارجية، وجيلا بعد جيل كانت الظروف أفضل للجيل الثاني من الرواد، حيث البعثات الدراسية والخروج لعوالم أكثر فناً في أكاديميات الفنون في العالم. اليوم، ونحن في عالم السرعة وعالم البحث عن الشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ الفن لجيل لا علاقة له بالفن، وكأن الفن هو الحيطة الهبيطة، وأصبح الفن لهم هو المجال الأسرع للشهرة، دون هدف يضعه لنفسه، والمؤسف حقاً أن المجتمع بدأ يتفاعل أكثر مع هذه الظاهرة، ويشجعها لتصدق حالها، حتى يجد نفسه يوماً من الأيام عاجزاً عن تقديم أي عمل له هدف أو رسالة، فقط لمجرد أن يكون له حضور في وسط هذا الكون المليء بالألوان، حتى وإن كانت تلك الألوان نشازا. الفن رسالة سامية، تستطيع أن تكون سفيراً لوطنك بأعمالك الفنية، وسفيراً للفن في العالم، والقصد بأن تكون سفيراً هو أن يكون لك هدف من خلال أعمالك الفنية، التي تنعكس على سمعة وطنك ومجتمعك. وهنا أتذكر معارض المملكة بين الأمس واليوم، التي كانت تجوب العالم وكان للفن التشكيلي حضور كبير فيها، وكان خير سفير للثقافة البصرية لوطننا، وكيف كان الجمهور يتفاعل مع تجارب الفنانين في ورش العمل التي كان لها الصدى الأكبر، وبالخصوص تجارب مميزة كتجربة الفنان فيصل المشاري، الذي أذهل الجميع بفكره وبمستوى حرفيته وأدائه الفني.