جميل هذا الانفتاح الإعلامي والأسلوب النقدي الذي نشهده مع انفتاح قنوات التواصل الاجتماعي، بدءًا من الشبح المفزع الفيسبوك وصولا إلى تويتر وانستجرام وسناب شات. هذه القنوات أعطت بُعدًا جديدًا للإعلام التقليدي، فأصبحت كبريات القنوات العالمية الإخبارية تستعين على محتوى المادة المقدمة من مستخدمي برامج التواصل الاجتماعي، بل تم تفعيل دور المتلقي لأن يكون هو بنفسه إعلامي حصريات وناقلا للأحداث، حتى تشكلت لدينا عدة ظواهر سلبية، تستحق تسليط الضوء عليها كلًا في مقال مستقل. إلا أنني أجد مع كل هذه الظواهر، هذه الظاهرة التي وصلت حد الجنون، ظاهرة الحسد المفرط، فأعوذ برب الفلق من شر هذا الحسد! فذهبت أجمع شظايا بلّور حروب السوشيال ميديا المنثورة، لأبحث وراء أسبابها، حتى خلصت أن لهذا الحسد عدة أشكال، منها: * «حساد الأشكال والجمال»: هؤلاء لا تعنيهم إنجازات المهجوم عليهم مهما كانت. أذكر ذلك الشاب الذي حقق عدة إنجازات على عدة أصعدة قبل أن يتجاوز الثلاثين سنة من عمره، فعلى الصعيد الأكاديمي تخرج من أرمق الجامعات العالمية، وعلى الصعيد الإعلامي استطاع تصوير عدة برامج في مجال السياحة والسفر، وعلى الصعيد الأدبي قام بتأليف عدة كتب حققت نجاحات كبيرة، وأذكر بعض الأخوات الفاشنيستات اللاتي استطعن الحصول على رعايات ضخمة من ماركات عالمية وتصوير برامج في الموضة والتوك شوز في فترة قصيرة. هؤلاء غالبًا ما تتم مهاجمتهم إلا لأن الله أراد لهم أن يكونوا ذوي مظاهر وأشكال حسنة!. * «حساد فئة السعي»: هؤلاء الذين يثيرون حروبًا على فلان أو علان لأنه كان يومًا ما صديقًا له وكان سببا في دخوله ذلك المجال أو كسب تلك الوظيفة، وأن ما يجنيه من أموال له حقٌ فيها كما للسائل والمحروم حقٌ في أموال المسلمين، فهؤلاء يبحثون عن عمولة سعيهم بأثر رجعي! * «حساد فئة العوائل التجارية»: هؤلاء يحسدون الأثرياء دائمًا، وعندما أصبح منشار تويتر بين أيديهم ركّزوا جهدهم على الجيل الجديد ممن اشتهرت تجارتهم وأعمالهم الحرة بسبب أنهم بالأساس من عوائل تجارية أو لأنهم تلقّوا دعمًا من أهاليهِم الأثرياء، فهؤلاء يعملون لديهم صباحًا ويحسدونهم مساء. أذكر مسؤولًا رياضيًا قد اُنتُقِد على توليه منصبه لأنه أتى من عائلة تجارية فهو لا حاجة له بهذه الوظيفة! * «حساد العدالة»: هؤلاء هم الأخطر! فهم يتخفون وراء البحث عن العدالة وتقويم المجتمع، بالبحث عن عثرات الناس وأخطائهم وماضيهم، فقد يستشهد أحدهم بتقصير فلان في مكانٍ ما لعدم رؤيته بجانبه في صلاة العصر قبل سبع سنوات! ويأتي «حساد العدالة» مندفعين بقوة لا بقوة الحق، بل إذا صادف هجومهم موجة من القرارات الجديدة للدولة أو وجدوا مسؤولًا يقوم بعمله بأكمل وجه بما في ذلك من إقالة وإحالة للتحقيق أو بإقرار مكافأة أو بتعديل على لائحة، فمثلًا لو دخلت للبحث باسم معالي رئيس هيئة الرياضة الأستاذ تركي آل شيخ في تويتر، ستجد طابورًا أثقل كاهل ذاكرة تويتر (السيرڤر) من «حساد العدالة» بتنويهات مبنية على تشكيكات بعقد اللاعب الفلاني، وعقد إنشاء أو صيانة ذلك الملعب، وحتى ذلك العامل البسيط الذي ظهر بشكل غير لائق في افتتاح مباراة القادسية بالدمام لسببٍ ما (وهو غير مقبول) لم يسلم من أنيابهم بالإسقاط على تقصير مسؤول الملعب أو مسؤول الشركة المنظّمة أو حتى القائمين على الدوري، وقد يوّجه أحدهم أصابع الاتهام إلى الأستاذ عبدالله الدبل -رحمه الله-، فيما لا يحتمل الأمر غير تطبيق القانون! ببساطة؛ هو الحسد يمشي ويتربص بنا مع الانفلات السوشيالي، فالرازق في السماء ولكنْ الحاسدون في تويتر!