فوبيا الحسد سيطرت على مجموعة كبيرة من الناس، ورغم أن الحسد شيء معروف ونؤمن به وقد استعاذ منه رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- (من شر حاسد إذا حسد) إلا أن أسلوب تعاطي الناس مع الحسد أصبح أكبر من أن يحتمل، فكل ما يصاب به المرء يسجله على أنه حسد ولا ينظر إلى تقصيره وتفريطه في تعامله مع ما حصل له. فالطالب يرسب لأنه لم يذاكر دروسه بشكل جيد يجير رسوبه على الحسد. أم تهمل في العناية بأطفالها فلا تراعي صحتهم وغذائهم ونظافتهم، وبعد أن يصابوا بالأمراض تقول إنه الحسد. شاب طائش يقود سيارته بسرعة جنونية في الطرقات المزدحمة وعندما يصطدم بعامود وتنفلق السيارة إلى نصفين يقول إنه محسود على سيارته الفارهة. عروس تخرج على الحفل تتمخطر ثم تفاجأ بأن الكل ينظر إليها فيختل توازنها فتقع وتقول إنها محسودة من جارتهم العيانة. هل الحسد مسؤول عن كل ذلك؟ أم أن من يخاف من الذئب يطلع له!! يقول المثل: "لا يحسد المال إلا أصحابه" فهناك من يحسد نفسه! حقيقة هاجس الحسد سيطر على تفكير الكثير من الناس، حتى أصبحوا يتشبثون بالخرافات والتمائم في سبيل إبعاد العين والحسد عنهم وعن أحبابهم. أذكر في مشهد لمسلسل تركي كيف تم التأكيد على فكرة الحفاظ على الأطفال من الحسد بتعليق تميمة العين الزرقاء على صدورهم في أكثر من مشهد!! ونشاهد كذلك في الأفلام المصرية الاهتمام برش الملح والرز على العروسين أو من يخافون عليه من الحسد!! أما تجيير الإخفاقات والفشل على أنه عين فنجده يملأ الدراما الخليجية بلا منازع!! لا شك أن الحسد مرض يصيب الحاسد والمحسود، فالحاسد لا يرى ما لديه من خير، بل نجد عينه على ما لدى غيره حتى وإن كان أقل مما لديه!! وهذا من الجشع والعياذ بالله. والمثال على ذلك، فتاة لها أسرة متكاملة من أم وأب وإخوة، وبيت متوفرة به كل الاحتياجات والكماليات، وهي طالبة في الجامعة في تخصص مرغوب وظيفيًا في المستقبل، لكنها ترى زميلتها المتزوجة على مقاعد الدراسة أفضل منها رغم تعبها في البيت والاهتمام بزوجها وطفلتها الصغيرة ودراستها وبعدها عن أسرتها. ترى لماذا تحسد زميلتها هل لأنها متزوجة ولديها طفلة، أم لأن وضع زميلتها فعلًا أفضل حالًا منها!! وإن كان وضع زميلتها أفضل منها فهل من الضروري أن نكون كلنا متساوين في كل شيء أم أن الله سبحانه وتعالى أعطى لكل فرد منا هبة وحرم منها الآخرين!! نحن بحاجة لإعادة النظر وبتمعن لما نمتلك وما نحتاج إليه حقيقةً، لا إلى ما نريد ونتمنى فقط!! وأن نقنع بما وهبنا الله ولو أعجبنا شيء من حطام الدنيا سألناه سبحانه أن يحققه لنا، لا أن نتمنى زوال نعمة وهبها الله لغيرنا. ونردد قول: “يا ناس يا شر كفاية قرّ”. [email protected]