«تسلسل الارتياح عندنا: راح ترتاح إذا كبرت، راح ترتاح بعد الثانوية، راح ترتاح بعد الجامعة، راح ترتاح إذا اشتغلت واستلمت الراتب، راح ترتاح إذا تزوجت، راح ترتاح بس تجيب أولاد، راح ترتاح إذا كبر أولادك، راح ترتاح إذا تزوج أولادك، راح ترتاح إذا صار عندك أحفاد، وإذا مات قالوا: الله يرحمه.. ارتاح»! أعتقد أننا بحاجة إلى تعامل واقعي مع مفهوم الراحة الذي نبحث عنه جميعاً، فواقعنا يقول: إننا نسعى إلى الراحة بأساليب غير واقعية وأحياناً ضارة. بعض الآباء يريد أبناء صالحين ناجحين، دون أن يتعب في تربيتهم. بعض المديرين يريد مؤسسة متميزة دون أن يبذل الوقت والجهد في التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة من أجل الوصول إلى التميز المنشود. بعض الطلبة يقول: إنه يطمح لأعلى الدرجات، ثم يشتكي من تعب المذاكرة. وقل مثل ذلك لأصحاب المشاريع الناشئة والباحثين عن الوظائف، ومن في حكمهم. وحتى نصل إلى الراحة، أعتقد أننا يجب أن ندرك أن لا راحة دائمة ولا مطلقة في هذه الحياة القصيرة التي خلق الله الإنسان فيها في كبد، وقد اختصر أبو الحسن التهامي القضية بقوله: طُبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها مُتطلبٌ في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفيرٍ هار بل إنه كلما زاد طموح الإنسان قلّت راحته، كما قال المتنبي: كل يوم لك احتمالٌ جديد ومسيرٌ للمجد فيه مُقام وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام وكثير من الراحة التي يسعى إليها البعض نتيجتها القلق، والأمراض، والديون، فهي راحة مؤقتة يتبعها تعب طويل، بينما نتيجة الإنجاز والعطاء راحة لا يعرف طعمها إلا المنجزون. نحتاج أن ندرك هذه الأمور الثلاثة ونحن نبحث عن الراحة حتى نكون مرتاحين حقيقة لا توهماً، ونحتاج معها أن نتوقف عند جواب الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عندما سئل: متى الراحة يا إمام؟ فكان الجواب: عند أول قدم نضعها في الجنة.