يقول المكيون والحجازيون بصفة عامة عندما يعزون صديقاً أو زميلاً أو جاراً لهم في قريب عزيز رحل إلى الدار الباقية.. يقولون من باب التفاؤل: نهاية الأحزان.. وقد سمعت من يقول هذه العبارة تلطفاً لي ولغيري في أكثر من مناسبة عزاء فتساءلت بيني وبين نفسي وهل للأحزان في هذه الدنيا نهاية؟! إن رحلة الحياة طالت أم قصرت مليئة بالآمال والآلام والشجن والمعاناة ولحظات السعادة فيها قصيرة جداً، أما ما بقي فهو مكابدة وعناء يستوي في ذلك الغني والفقير والكبير والصغير مع اختلاف نسبي في درجة المعاناة فقط لا غير وقد وصف شاعر الحياة الدنيا بأنها بؤرة للأحزان والكدر فقال: جبلت على كدر وأنت تظنها خلواً من الأقذار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار! وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار ومنذ الصرخة الأولى للإنسان في هذه الحياة فإنه مر بأدوار ومراحل لا تخلو من الأمراض والأحزان والمصاعب والمتاعب وكلما ظن أنه نجا وسلم باغتته الأقدار بما يعكر صفو حياته من خوف ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وليس له ملاذ كريم إلا الصبر على قضاء الله فإن لم يصبر وتبرم فما جزعه براد له ما فقده ولا تبرمه بنافعه بل إنه يضره لأنه لم يستسلم لما أراده الله له ولا يسلم من شرور الدنيا أحد والمؤمن مبتلى وغير المؤمن كذلك ولكن رجاء ما عند الله يكون لمن آمن وصبر ورضي وقال: الحمد لله في جميع الأحوال ولذلك كله فإن العبارة المتفائلة التي يقولها المُعزون لمن فقد عزيزاً من أسرته أو ولده، لا يمكن له أن تتحقق في هذه الدنيا الفانية، فلا حزن «يدوم ولا سرور»، وإنما هي الأيام تتقلب والمقادير تجري والأنفاس تتعدد والعمر يمضي والآجال تنصرم ولكل شيء نهاية ولكل أجل كتاب فإن تعامل الإنسان مع الدنيا تعاملاً واقعياً فإنه يظل فيها صامداً مؤمنا بأنها «جبلت على كدر» وإن تعامل معها وفق أوهامه، فلا بد أن يصطدم بين الفينة والأخرى بواقعها الأليم وقد تكون صدمته كبيرة وجزعه غير حميد!