(الوسطية وتحقيق الأمن) كان عنوان الملتقى العلمي الأول الذي نظمته كلية الآداب بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل ممثلة بقسم الدراسات الإسلامية بتاريخ 27/1/1439ه، وقد شاركت فيه بورقة عمل عنوانها: (مفهوم الوسطية في الكتاب والسنة وعلاقته بتحقيق الأمن). تناولت فيها أسس منهج الوسطية، ومن أعظمها العقيدة التي نص القرآن الكريم على أن سبيل الأمن هو الإيمان الخالص الذي لا يشوبه ظلم كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ سورة الأنعام: (82). ويتبين الارتباط الوثيق بين مصطلحي «الأمن والإيمان»، وتظهر لنا الصلة القوية بينهما، سواء من حيث الدلالة اللفظية - فإن الإيمان مأخوذ من الفعل الثلاثي «أمن» الذي هو أصل مصطلح «الأمن»، فأصلهما إذاً واحد - أو من حيث الدلالة المعنوية، فإن الأمن ثمرة للإيمان ونتيجة له، فإذا غاب الإيمان فلا أمان. الإيمان ينمي في المسلم روح المراقبة لله الذي يعلم السر وأخفى، ويسمو بإنسانيته عن مواطن الرذيلة والانحراف، لأن المسلم يراقب ربه قبل أن يراقب القانون، ويخاف منه -جل وعلا- أشد من خوفه من رجال الحسبة أو الأمن، ويخشى عقاب الآخرة أشد من عقاب الدنيا. ولما كانت عقيدة الإسلام تحدث في النفس البشرية الأمن والطمأنينة بما تبثه فيها من تصور شامل للدنيا والآخرة والحياة والموت، ويتسع هذا التصور لتدخل فيه أنواع النشاط الإنساني وتحديد العلاقات من خلال الحق والواجب بين كل من الأطراف بما يضمن سلامة الفرد والمجتمع وما يتحقق من وفاق بين حاجات الفرد وحاجات المجتمع مما يكون له أبلغ الأثر في تحقيق الأمن، ومن ثم في سعادة وطمأنينة وتقدم المجتمعات التي تسودها تلك العقيدة الصحيحة الشاملة. ولكي تترسخ العقيدة في النفوس فلابد من التربية الإيمانية الصحيحة على منهج القرآن، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأمته وأصحابه، حيث عالج عليه السلام ما بدر من مظاهر الغلو بأسلوب تربوي حقيق بأن يحتذى ويطبق، حتى صار الصحابة، أمثلة يقتدى بهم، في العدل والإحسان والاعتدال والوسطية المأمور بها شرعاً. وقد كشف الحديث النبوي الشريف هذا الجانب السيئ في الغلو، ففي صحيح ابن حبان عن جندب البجلي أن حذيفة حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الرَّامِي أَمِ الْمَرْمِيُّ؟ قَالَ: بَلِ الرَّامِي). الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان. ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن الغلو في الدين فقال: ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ) مسند أحمد. جهد مشكور قام به الملتقى بما قُدم فيه من أوراق عمل تعزيزًا للوعي الفكري والعقدي في مجتمعنا لنشر ثقافة الوسطية والاعتدال بين شبابنا.