أن يسطو لص على أموالك، على سيارتك، على أثاث بيتك، على وثيقة من وثائق ممتلكاتك، كل تلك سرقات تضطرب لها النفس، وتفزُّ لها الأعصاب، وتقتدح نارَ الحزن على مُقَدَّراتٍ سُكبت في سبيل تحصيلها الجهودُ والأوقات والمغامرة حتى بالنفس أحيانا! ولكن أن يسطو مجرم على قلب زوجتك، فيقتلعه من جذوره، ويهرب به إلى كهفه، يتلاعب بمشاعره، ويعزف على أوتار رغباته، ويملأ تجاويف الحرمان فيه بوعوده وكلماته الثعلبية المعسولة؛ ليقلب موازينه، ويُذيب حشاشته في آنية الأمنيات، ويرقِّصَ عينيه على مسرح الهدايا المتتابعة الباذخة، التي تقرأ فيها الضحية بقايا السطور التي كتبتها في كُراس انتظار فارس الأحلام قبيل الزواج، سطور كادت تمَّحي عبر السنوات العجاف (كما تراها هي)، فرأت في (الدخيل) الفارسَ الجديد الذي ظهر فجأة في خريف العلاقة الزوجية على حصان أبيض، وراح يغري تلك الرسومات الطفولية الغافية بين تلافيف الأيام لتتشكل وتنمو وتزهر، هكذا يبدو لها الأمر، ولذلك تُضَحِّي بكل شيء، بدموع أبيها ونشيج أمها، وبكرامة إخوتها ونصائح أخواتها، وتلقي بقلب زوجها في الجمر، ذاهلة حتى عن مستقبل أولادها! ماذا توقعت -هذه المخدوعة وأحيانا الخادعة- من السعادة والثراء والإشباع النفسي من هذا الخائن لدينه وأمانته؛ حتى تتحمل كل تلك المشاعر التي أثارتها، وربما كثيرا مما قد يُوقع بها من لوم وتقريع وربما أكثر! (التخبيب) سرقة القلوب، قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : «ليس منَّا من خبَّب امرأةً على زوجِها...»، ويمكنك أن تقيس على هذا كل العلاقات الإنسانية داخل الأسرة، وفي وسط الصداقات، وفي بيئة العمل، ومنها تخبيب الزوج على زوجته؛ حين تتسلل امرأة إلى رجل متزوج مستقر مع زوجته، يعجبها في صفة من صفاته الخَلقية أو الخُلُقية، فترمي له شباك كيدها، التي أصبحت سهلة المنال مع تقدم التواصل الاجتماعي التقني، وقد تكون متزوجة (تخون زوجها)، فتستميل قلب هذا الغريب عنها بألاعيب دهائها؛ لتقنعه بطريقة غير مباشرة بأنه مظلوم ببقائه مع هذه المرأة، وأنه يستحق أفضل منها، وهي المرشحة الأولى لهذا المنصب! والغريب أن يستجيب لها، وهي متزوجة حينا، أو وهي عزباء تأخرت في الزواج، أو بعد طلاق أحيانا، إنها لا تخطط لتكون أخرى، بل لتكون الوحيدة! بشرٌ برؤوس شياطين، تريد أن تهدم عُشَّ زوجها، وتشتت أولادها، وتهدم عُشَّ الضحية المغدور، وتشتت شمله، وتضيع امرأته، وتصعد على سعادة أسرته الهانئة إلى سعادة مأمولة، بُنيت على التوهم، والغدر، والخيانة! (التخبيب) الذي يغرس حربته في قلوب وليس في قلب واحد، أبٍ جريح، وأم مكتئبة، وأطفال أصبحوا كالأيتام! وزوج مهموم يتلفت تلفت الأسد الجريح! انفرط عقد عرينه، وفقد -رغم أنفه- رفيفَ لبؤته! ومن رأى مثل هذه الحالات المؤلمة، أو سمع صداها البائس في صدور أشبه بالبيوت الخربة المهجورة بعد أن كانت عامرة مغمورة بالنعم، ليس كمن تسردُ عيناه هذه السطورَ بين مصدق ومستبعد أن يحدث ذلك من مسلم تجاه أخيه المسلم! فكيف إذا وقع التخبيب من قريب، أو طبيب، أو أستاذ، أو مستشار، أو زميل عمل، أو من كان مؤتمنا على العرض فخان! (التخبيب) الجريمة التي تتخلق في رحم كبيرة، وقد تتولد في خلاياها كبائر، تنتهي بنهايات مأساوية لا يتخيلها المجرم ولا الضحية، ولا المجتمع كله.