تغير لافت للبلد النامي بعد دور تقليدي ومستقر طيلة سنين، وحزمة اصلاحات حقيقية وجادة ومؤثرة في البلاد والمنطقة بل إنها تثير دهشة العالم أيضاً، في وقت يدق ناقوس الخطر على المتخاذلين، ويهدد اقتصاديات الدول التي لا تزال تعتمد على مورد النفط وحده دون الدخول في مغامرات التغيير والتجديد والتطوير التي ستقود الى التنافسية وبالتالي للازدهار، إن هذا الوقت يعتبر حاسما ودقيقا، ويحتاج لشجاعة لأخذ مبادرات كبيرة وجريئة كالتي تتخذها المملكة العربية السعودية وفي قطاع لا يقبل المغامرة وهو الاقتصاد (الجبان)، وتلك المبادرات التي أجزم بأنها ستقود لتغيير جذري في المنطقة، قد تأتي بالمطلوب وتحول اقتصاداتنا الريعية الى اقتصادات واعدة، فدول مجلس التعاون وخلال الأعوام القليلة الماضية أسست لقاعدة تشريعات وتبنت النظم الدولية واعتمدت عليها في تنظيم أسواقها ومعاملاتها المحلية والخارجية، وهذه الحزمة من التشريعات والنظم تمكنها اليوم من الاستفادة من مبادراتها الإستراتيجية التي لا بديل عنها. لذا فإن اشادة المحافل الدولية بالخطوات الشجاعة للمملكة في مشوارها الاصلاحي والتنموي هي أمر يدعو للفخر حقاً، فالمشروع الاصلاحي مختلف كماً وكيفاً في المملكة عن باقي شقيقاتها الخليجيات ليس لشيء إلا لأن المملكة تبدو وكأنها مختلفة في منهجها التقليدي الأصيل، وها هي اليوم تبدو عازمة بصدق في التغيير والتحول، والاختلاف يأتي من الانتقال السريع الذي لم نتعود عليه في منطقتنا «الراديكالية» إذ كل مبادرة تلزمها خطة متوسطة المدى وسنوات لتتحول لواقع وتلزمها دراسات ولجان وذهاب وإياب وعمر طويل لتتحول من دراسة مبادرة إلى مبادرة مدروسة. اليوم في المملكة حتى معدل التوقيت لتفعيل المبادرات يعتبر قياسيا، حقاً ما يحدث اصابنا بالاندهاش والحماسة. لم يتصور أحدنا ما يحدث الآن في المملكة، وكلنا نتساءل الى أين ستمضي بهذا الدفع القوي والسريع فهي تفوق حتى مستوى استيعابنا للحدث والتحليل والتقييم، ويبقى التركيز على الاقتصاد والتنمية هما ركنا النجاح والاستقواء، إنها مرحلة تغيير هامة وربما كانت نتاج نداءات المحللين والمراقبين للسير نحو المبادرات والاصلاحات الاقتصادية بقوة وفاعلية وليس مجرد لجان ودراسات. بالأمس كان مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» يضع نقاطا كثيرة على الحروف، ويؤسس تأسيسا واضحا للمرحلة الحالية والمقبلة، المؤتمر الذي توقعت شخصياً أن يأتي على كل حال بعد إطلاق رؤية المملكة 2030، يأتي على هيئة مبادرات أحادية، كان أكبر مما توقعت وأكثر نوعية وأكثر تركيزا. أجل إنها ثمار الجدية في التغيير وتنفيذ خطة «التحول الوطني» كم أشعر بالحماسة إزاء ما يحدث حقاً، الجدول الاصلاحي، لقد خطت المملكة خطوات ثقالا نحوه وبدأت بجهد في ضبط ميزانيتها حتى باتت تحت السيطرة، وها هي اليوم تنطلق لصنع بيئة أعمال جاذبة للمستثمر الاجنبي الذي طالما صرح الكثير منهم بأنهم يتوقون للاستثمار في السوق السعودي الأكبر في المنطقة فيما سبق، ها هو اليوم يمهد للراغبين في الاستثمار. صحيح الاستثمار لم يعد سخيا كما السابق بفعل الأزمة غير أن هذا الأمر له ايجابية قد يجعل من عملية الاستثمار نوعية وأكثر تنظيما حتى لا يغرق السوق الواعد، فالأمر يحتاج بالطبع للوجستيات هامة لجعل السوق السعودي مطمع الاستثمار الاجنبي بالذات في هذا الوقت الذي يتميز فيه المستثمر بالحذر. وكما قالت مدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي كانت حاضرة الفعالية النوعية ولأول مرة في المملكة، بأن الأمر يلزمه «توخي الكفاءة في تحديد الإصلاحات ذات الأولوية وتسلسلها وتنسيقها، كما ينبغي مراعاة الإفصاح الجيد عنها وإرسائها على أساس من العدالة يحقق لها التأييد الاجتماعي المطلوب ويضمن تنفيذها بنجاح، ولا يزال التصحيح المالي مستمرا، بينما تعمل الحكومة على احتواء النفقات وتحقيق إيرادات إضافية. وهناك حاجة إلى إجراء تصحيح مالي كبير ومستمر بوتيرة ملائمة في السنوات المقبلة لمواصلة التصدي لآثار انخفاض أسعار النفط على الموازنة. غير أنه ينبغي إجراء هذا التصحيح تدريجيا نظرا لهوامش الأمان المالي الكبيرة لدى المملكة، وتوافر فرص التمويل، وموقف الاقتصاد الراهن في الدورة الاقتصادية». الأمر يحتاج لوقت فكل الاستعدادات متاحة ويعمل بها بهمة وطنية عالية، وهو أجمل ما في الأمر، الجميع في المملكة لديه الرغبة في التحول الوطني لوجه المملكة الحضاري، وبالتالي التنافسي. أجل الاقتصاد هو بوابة الرفعة وبوابة القوة وبوابة الامان الاجتماعي في الوطن، والبدايات لابد أن يكون بها قدر من التضحية ويلزمها الوقت والصبر والتعاون. المشاريع الاستثمارية النوعية التي تمت مناقشتها في المبادرة قد تحقق طفرة غير مسبوقة للمملكة وتحولها لبلد «الاقتصاد الذكي» متخطية «الاقتصاد المعرفي» حتى، فالمشاريع التي تستهدفها متطورة ومتقدمة جدا وباهظة في الوقت عينه ولكن يتطلب الأمر بعض وقت. نحن مقبلون على طفرة غير مسبوقة ستحرك المنطقة كلها وتجددها وتعيد أولوياتها وتجعلها سوقا واعدة قد تنافس اسواق الشرق القادمة بقوة كالصين والهند وكوريا، أشعر بأن المملكة تحقق بالخطوات الفعلية تلك التمنيات التي طالبنا بها كأمنيات فقط واستبعدنا تحققها يوماً.