من المعلوم أن خدمة السنة النبوية من أعظم الأعمال وأجل القربات، ولذا شُدت في طلبها الرحال وبُذلت في تحصيلها الأعمار كما هو مسطر في سير العلماء المشرقة في كتب الحديث والتراجم والتاريخ، ومنها رحلة جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- إلى عبدالله بن أُنيس -رضي الله عنه- التي استغرقت شهرا لسماع حديث واحد بقصد التثبت، وأن يسمعه قبل أن يموت وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه باب الخروج في طلب العلم. ولا غرو فلقد قال الله تعالى: (وما آتاكُمُ الرسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا) يقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره (إن السنة كلها مندرجة تحت هذه الآية الكريمة، أي: أنها ملزمة للمسلمين العمل بالسنة النبوية، فيكون الأخذ بالسنة أخذا بكتاب الله) «أضواء البيان 8/ 37». ولقد استبشر العلماء وطلاب العلم خاصة والمسلمون عامة بصدور الأمر الملكي الكريم، بإنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للحديث النبوي الشريف والذي يأتي من أجل العناية والرعاية بمصدر الشريعة الإسلامية الثاني في هذا العام 1439ه، بعد مصدر الشريعة الإسلامية الأول القرآن الكريم، حيث اُفتتح مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وترجمته وذلك في عام 1405ه. إن إنشاء هذا الصرح العلمي يأتي في هذا الوقت لازدياد حاجة العالم الإسلامي لجمع الكلمة ووحدة الصف بتعلم السنة والتمسك بمنهج الوسطية والاعتدال على خُطى هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لكونه منهج حياة للأفراد والأسر والشعوب والدول. وكذلك تأتي أهمية إنشاء هذا الصرح العلمي؛ انطلاقا من مكانة بلادنا المباركة بلاد الحرمين الشريفين، ودورها الرائد المتميز الملموس في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين. وتم تعيين معالي الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة لرئاسة مجمع خادم الحرمين للسنة النبوية، وهو أهل لذلك فهو العالم الهادئ الرزين الذي أكرمه الله بحسن الخلق والجمع بين الفقه من جهة تخصصه الأكاديمي والعناية بالحديث وفقه الله وسدده. ومن محاسن المملكة العربية السعودية إنشاؤها مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1401ه، سعيا في تقريب أقوال العلماء الفقهاء وكذلك مناقشة النوازل الفقهية ومباحثة مسائلها مع ترجيح ما يسنده الدليل والتعليل. وكذلك من محاسن بلادنا الزاهرة الزاخرة إنشاؤها جهازا رسميا يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، متمثلا الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي للعناية الشاملة، مع التهيئة اللازمة لكافة السبل والخدمات والمرافق لقاصدي قبلة المسلمين، مع تحقيق الطمأنينة والأمن والراحة لضيوف بيت الله الحرام وأيضا لزوار المسجد النبوي. وكذلك من إسهامات بلادنا المباركة إنشاء قناتي القرآن الكريم الفضائية والسنة النبوية الفضائية، وكلاهما تأتيان تأكيدا لدور هذا البلد المعطاء في حفظ العقيدة الإسلامية الصافية. ولذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: (فإِن أولى ما صرفت فِيهِ نفائس الأيام وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام الاشتِغال بالعلوم الشرعِية المتلقاة عن خير البرية، ولا يرتاب عاقل فِي أن مدارها على كتاب الله المقتفى وسنة نبيه المُصطفى، وأن باقِي العُلُوم إما آلات لفهمهما وهِي الضالة المطلُوبة أو أجنبِية عنهُما وهِي الضارة المغلوبة) «هدي الساري ص5». وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لكل خير، وأعزهما الله بالإسلام وأعز الإسلام بهما، وجمع الله المسلمين قادة وشعوبا على الحق والهدى والله الموفق. **عضو الإفتاء والمشرف العام على الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء فرع المنطقة الشرقية