المحافظة على الجماعة من مقاصد الشريعة، فلقد جاء التأكيد عليه في كتاب الله العزيز قال تعالى: (واعتصِمُوا بِحبلِ اللهِ جمِيعا ولا تفرقُوا واذكُرُوا نِعمة اللهِ عليكُم إِذ كُنتُم أعداء فألف بين قُلُوبِكُم فأصبحتُم بِنِعمتِهِ إِخوانا وكُنتُم على شفا حُفرةٍ مِن النارِ فأنقذكُم مِنها كذلِك يُبيِنُ اللهُ لكُم آياتِهِ لعلكُم تهتدُون) «سورة آل عمران». ومن مقاصد الشريعة الإسلامية أيضا أنها تُؤكد على اللحمة المجتمعية بين الراعي والرعية والسمع والطاعة بالمعروف، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا من ولِي عليهِ والٍ فرآهُ يأتِي شيئا مِن معصِيةِ اللهِ فليكره ما يأتِي مِن معصِيةِ اللهِ ولا ينزِعن يدا مِن طاعةٍ) «أخرجه مسلم في صحيحه» وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة في معصِيةِ الله، إِنما الطاعةُ فِي المعرُوفِ) «متفق عليه». كل هذا وغيره لتعزيز تلاحم الجبهة الداخلية وتماسكها ولتقوية الجبهة الخارجية، فإذا تأملت ذلك وجدته جليا. فإذا كان في حال السفر العارض اليسير قد جاء التأكيد والحث عليه حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إِذا خرج ثلاثة فِي سفرٍ فليُؤمِرُوا أحدهُم) «أخرجه أبو داود» وقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا يحِلُ لِثلاثةِ نفرٍ يكُونُون بِأرضِ فلاةٍ إِلا أمرُوا عليهِم أحدهُم) «أخرجه الإمام أحمد في مسنده» وغيره من الأحاديث النبوية الشريفة. فإذا تأمل العاقل الحصيف وجد في ذلك حفظ الكلمة وجمع الصف وإتلاف القلوب مع نبذ الخلاف، ولذا فمن باب أولى التأكيد عليه في حال الإقامة الدائمة، بل يتأكد ويستوجب أكثر في حال الفتن والمحن والأزمات للحفاظ على بنيان المجتمع لئلا ينفلت زِمام الأمور، ولقد أحسن ابن المبارك رحمه الله تعالى بقوله: (اللهُ يدفعُ بِالسُلطانِ مُعضِلة ** عن دِينِنا رحمة مِنهُ ورضوانا ** لولا الأئمةُ لم تأمن لنا سُبُل ** وكان أضعفُنا نهبا لِأقوانا). قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فإذا كان أوجب فِي أقلِ الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يُولى أحدهم كان هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك) «مجموع الفتاوى 28/ 66». ولذا، فإن دين الإسلام الصافي وبالأخص عقيدة التوحيد هي رسالة عملية إلى الشعوب والأديان والبلدان الأخرى لتمكين دين رب العالمين قال تعالى: (هُو سماكُم المُسلِمِين مِن قبلُ وفِي هذا لِيكُون الرسُولُ شهِيدا عليكُم) «سورة الحج» وقوله تعالى: (توفنِي مُسلِما وألحِقنِي بِالصالِحِين) «سورة يوسف»، حيث يمتاز دين الله بالشمولية الكاملة لحياة البشر واحتياجاتها مع تحقيق السلام وعدم إشاعة الفوضى، وكذلك الحفاظ على المكتسبات، بالإضافة إلى عدم تدمير وتخريب البلاد. والحمد لله فما زال قادة هذا البلد المبارك وأُمراؤها يُولوُن العناية والإجلال والتقدير للعلماء وهذا مشاهد متتابع، ويقدرون النصح منهم. ونوصي أفراد المجتمع أن يكونوا جميعا سدا منيعا تجاه مظاهر الإفساد والفساد وسائر التجاوزات والمنكرات المخالفة للشرع والنظام، فإن المواطن هو رجل الأمن الأول، ونذكر الجميع بوصية رجل الأمن الأول في هذه البلاد صاحب السمو الملكي الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية -رحمه الله- حيث قال: (أقولها بكل وضوح وصراحة، نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا... أقولها بكل وضوح وصراحة، لعلمائنا الأجلاء، وطلبة علمنا، ودعاتنا، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخطباء مساجدنا.. دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، ودافعوا عن الأجيال القادمة. يجب أن نرى عملا إيجابيا، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة لخدمة الإسلام، ونقول الحق، ولا تأخذنا في الحق لومة لائم). حفظ الله هذه البلاد وأهلها وحفظ قادتها ورعيتها، وأدام الأمن والإيمان في ربوع البلاد، ورد مخططات الأعداء وسدد جهود بلادنا لخدمة قضايا الإسلام ونصرة المسلمين. والله أعلم. عضو الإفتاء والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة الشرقية