ثلاثة ملايين شاهد عادوا من الرحاب المقدسة، ممن حج، أو خدم الحجيج يجمعون على أن (الحج) أصبح رحلة ماتعة، تتنقل فيها الروح المؤمنة من منسك إلى منسك لا تحمل هما، ولا تتوجس خوفا، تتمحور هِممُها حول العبادات والأعمال التي تؤديها، لرضا المولى عز وجل، الذي قضى بأن يكون الحرمان الشريفان في زمن الحرب والخوف والاضطراب الأمني في سياج (المملكة العربية السعودية)، حيث الشريعة القائمة، والأمن الوارف، والإيمان بالرسالة الخالدة، والاعتقاد الجازم بأن الله تعالى شرفها بهذا التكليف، فهي تقوم به حبا ورغبة وطاعة، ولذلك تجعله أول أولياتها، وأهم مهماتها، تجلب إلى مشاعره أبرز مستجدات العصر من التقنيات التي تسهل على الحجاج تنقلهم، وأداء مشاعرهم، بسخاء بلغ حد الإبهار. الذين يخدمون الحجيج كل عام، يرون التطوير المستمر الذي لا يدع مكانا من الأماكن التي يتحرك فيها وفود الرحمن إلا ويترك فيه أثرا، مُنشأة جديدة، أو تحويلا كاملا لمحتوياته إلى ما يقدم خدمة أفضل، أو لمسة إنسانية أو جمالية. عليك أن تصدق إذا قال لك الحاج: لا أدري كيف تصرمت الأيام السبعة التي قضيتها في الحج، لقد انتهت بسرعة، مليئة بالمشاعر الفياضة، لم نفتقد خدمة واحدة نحتاجها في أي مشعر من المشاعر، بل.. لم نفتقد (الإنسان) الذي نحتاج إلى إرشاده، أو مساعدته، فهو أمامنا في كل لحظة، يبتسم ابتسامة مشرقة، تملأ القلوب بالطمأنينة والأمان، ويبادرنا بالخدمة، ويبذلها كأجمل ما يمكن أن تبذل. في الحج اجتمعت القلوب من كل بلاد الدنيا، ومن كل الأعراق، ومن كل الثقافات، تطوف حول بيت واحد، وتموج بين الحرم ومنى وعرفات ومزدلفة في بحر بشري حاشد، بانسايبية أذهلت المختصين والمحللين العالميين، إنها خصوصية يأبى الأرضيون أن يعترفوا بأنها تنظيم رباني كريم، وتدبير إلهي عظيم، وتوفيق من رب بالمؤمنين رؤوف رحيم، أعان بها هذه البلاد حكومة وشعبا، فكانت المخرجات شبه المستحيل، أخجلت المتشائمين، ودحرت مزاعم المتربصين، وأقامت الأدلة والبراهين على الكفاءة العظمى التي تتمتع بها المملكة لإدارة الحشود الهائلة في مساحة محدودة بحدود الشرع، حيث لا يمكن تمديدها. الذي يعمل ويصل إلى ما وصلت إليه منتجات الحج المبهرة، لا يحتاج إلى أن يدافع عن نفسه، بل ستتحول كل لحظة من لحظات الحج إلى كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تعود بها كل ذاكرة بشرية إلى كل صقع من أصقاع الأراض تبثها هناك، وكل جمرة من الجمرات في الأكف المتوضئة إلى شهاب ثاقب ينال كل شيطان من شياطين الإنس والجن أرادوا التسلل إلى سماء الحقيقة لطمس معلم من معالمها. الصورة المحلقة التي تشكلت من #نجاحالحج1438، وامتدت في أفق الكون كله، أكبر بكثير من أن تترك مساحة لفرشاة هزيلة تحاول أن تشوهها بخربشة بلهاء.