لم ينفصل التعبير الفني التشكيلي عن عصره في كل مرحلة من مراحل تطوره، فقد لامسها وصقل عمق محتواه من خاماتها وآلياتها، ولعل المرحلة الحديثة تجاوزت التطور في التعامل البصري الجمالي حيث شكل مساره مع النهضة التقنية وبالتالي اندمج معها ليخلق منافذ تعبير جمالية وأساليب فنية ارتكزت على الآليات الرقمية، فبرزت الفنون الجديدة تحت مصطلح «ما بعد الحداثة»، وهو التطور الذي واكب التكنولوجيات الرقمية وأفرز فنون الصورة من الفوتوغرافيا إلى فن الفيديو، كما سهّل طرق التصوير والمعالجة بالأجهزة الذكية أو الكمبيوتر، حيث إن هذا الفن عرف بدوره تحولات جمالية بصرية. يعود تاريخ ظهور فن الفيديو إلى بداية الستينيات من القرن الماضي، حيث بدأ كتجربة لامست الفوضى الفكرية التي تداخلت مع الايدولوجيات المتنوعة التي نبشت القيم الجمالية واكتسحت مجالات الفنون في العالم وكذلك مرحلة انتشار الصورة والإعلام المرئي وتطورات الإعلام الجماهيري من خلال التلفزيون الذي تناقل الأخبار والأحداث وقام بعملية التوثيق الكامل بالفيديو والكاميرا، كما تطوّرت السينما وانتشرت هي الأخرى خاصة مع النهضة التقنية التي خلقتها المنافسة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، وهو ما أوجد الآلية والأرضية المحفزة لظهور تيار فني جديد تبلور بالتمرد على الفن الكلاسيكي، خاصة وأن الحداثيين مهدوا الطريق للتمرد بالفكرة في الفن مع سلفادور دالي وفكرة الفيديو التعبيري الذي عبر عن الموقف الرافض للحروب، غير أنه لم يمتلك قيم الفيديو آرت التي تبلورت في الستينيات بمعاصرة الأحداث، ليظهر الفيديو كفن سنة 1963 مع الفنان الكوري نام جون بايك الذي صاغ الصور وحرّكها بتفاعلات وسائطية مع الموسيقى حين جعلته الصدفة يكتشف تأثير المغناطيس على الصورة التي تظهر مشوشة على الشاشات فاعتمدها لخدمة فكرته الأولى التي وثّقها، حيث جمّع عشرات الشاشات وربطها مع بيانو لتبدو الموسيقى عشوائية مع الشاشات، وقد عبر من خلالها عن الفوضى والصدامات الفكرية وحركات التمرد فوضع المنفذ لفن جديد، وكان رائد انتشار فن الفيديو في أوروبا وأمريكا لتتوالى التجارب وتنتشر في مختلف أنحاء العالم.