قد يصدم الإنسان عندما يتناول كتابا لقراءته، وفي أثناء القراءة يجد أن الصفحات التي تلي الصفحة الأولى هي نسخ مكررة من الصفحة الأولى، بالتأكيد لن يصاب فقط بصدمة بل سيتحسف كذلك ويعض أنامل الندم على الوقت الذي أمضاه في تقليب صفحات هذا الكتاب. حياة الشخص الروتيني عبارة عن كتاب وأيامه صفحاته، وكل يوم يمرعليه يفتح صفحة جديدة، هي عبارة عن نسخ مكررة لا تسمن ولا تغني من جوع. الروتين كلمة تجمع بين الرتابة والملل والتعود والركود والجمود، والروتين لا يعني مجرد تكرار نمط حياة معين فحسب، بل إنه بالإمكان اعتباره نوعا من السجن وفي أحسن الأحوال نوعا من الإقامة الجبرية، يحجب الإنسان عن معرفة نفسه وإمكانياتها وقدراتها ومكنوناتها، ويعيقه عن الحياة والنظر إليها، فهو العائق الذي بين جنبات كل شخص وهو لا يشعر به، فما يقوم به الشخص الروتيني هوعملية نسخ ولصق لنمط حياتي متكرر لم يقدم فيه شيئا لنفسه فضلا عن الآخرين، وكلما كانت حياة الإنسان روتينية؛ كانت أقرب إلى الجمادات والآلات، بصورة أخرى وكانت أشبه بالأموات وإن كان الأموات أحسن حالا فلهم حياتهم الخاصة. لعلك يا من تعيش هذه الحالة تلامس بعض ما أقوله، فأنت تعلم جيدا أن الروتين الذي تعيشه لا يغير ولا يُنتِج ولا يجدد، بل يهدم ويضعف ويقلل وفي النهاية يقتل. العجيب في الروتين أنه من صنعنا ومن ذواتنا وينشأ من خلالنا وآلية تأثيره السلبي والخفي علينا تكمن في أنه مع الوقت ومن دون أن نشعر تتأصل لدينا عادات نتيجة هذا النمط وسلوكيات تثقل كاهل الإنسان نحو أي تغيير لهذا الوضع. والمشكلة ليست بتلك الصعوبة؛ إذا تم تداركها من البداية، وذلك عندما تتجرأ وتنهض النفس من داخلها لهدم حاجز الروتين من خلال التجربة والمحاولة والاهتمام بأمور معينة وأهداف مركزة تشغل الإنسان، بحيث يكون فيها تنوع وتعدد للطرق والوسائل الموصلة للغاية. إن المصور الذي يوجه عدسة الكاميرا نحو جهة واحدة فقط، لن يتمكن من التنويع والتقاط صور أخرى جميلة، بل إن تركيزه على جهة معينة يعد من العبث المجرد وهدر منفعة هذه الآلة، فلا تجعل عدسة الكاميرا موجهة نحو جهة واحدة بل اجعل لعدستك زوايا مختلفة ترى من خلالها الحياة وتلامس فيها جمالها وإبداعها، فالله- عز وجل- خلق الإنسان متجددا في بنيته وشكله فكذلك في روحه ومنبعه، فلماذا نستصعب أو نستنكر الشيء الذي فُطرنا عليه، ولماذا لا يكون لنا شرف المحاولة فالأمر جدير بالاهتمام. إن أمورا روتينية كثيرة في حياتنا من الصعب تغييرها أو كسرها؛ كونها من الضروريات أو الحاجيات، فما أعنيه بكسر الروتين هو استغلال جزء من الوقت بشيء مغاير لما هو معتاد عليه، يضفي على النفس الأمل والنشاط، وهذا الوقت هو الوقت الخارج عن ضروريات وحاجيات الحياة العامة، فليس من المنطق أن يقوم الموظف مثلا بالتغيب عن العمل لأيام بدعوى كسر الروتين لكن بإمكانه أخذ إجازة لكسر الروتين، وليس من المنطق أن يكف الإنسان عن الطعام بدعوى كسر الروتين، ولكن بالإمكان تنويع مكان ونوعية وأصناف الطعام، ولا يظن أحد أن الترفيه والرفاهية هما فقط عاملا كسر الروتين، فشريحة من الناس ممن يعيشون جل أوقاتهم متقلبين بين الرفاهية والترفيه، بالنسبة لهم هي حياة روتينية، بالتالي فكسر وتغيير روتين كل شخص بحسبه وحسب نمط حياته وطبيعتها.