تظل الصناعة هي المحور التنموي الأساسي الذي يعتمد عليه في التطور الاقتصادي، فهي ترتبط بكثير من القطاعات الأخرى وتسهم في نشاطها وإكسابها الحيوية الاستثمارية، لذلك فهي حجر الزاوية في أي خطط للنهوض، ويكفي الإشارة الى أن اليابان حققت نهضتها بالصناعة بدءا من ابتكار الترانزستور وبعده انطلقت في عملية صناعية ضخمة في مختلف المجالات جعلتها في مرحلة من المراحل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك نموذج ينبغي النظر اليه بعناية. في إطار الرؤية الوطنية ويدعمها برنامج التحول الوطني، نجد أن الصناعة في موقعها السليم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لاقتصادنا الوطني، غير أن التوسع الصناعي من الأهمية بحيث نمسح كل الاحتياجات لتتم تغطيتها بصناعات محلية بذات الجودة التنافسية العالمية، وفي هذا السياق فإن الاحتفاظ بمعدل متصاعد لنمو الصناعة التحويلية، باعتبار أننا إحدى الدول النامية، يجب أن يكون في صدارة أولويات القطاع الخاص، لأن هذه الصناعة شهدت تراجعا في استثماراتها العام الماضي، ففي المسح السنوي لقطاع الصناعة التحويلية الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، بلغ صافي قيمة الاستثمارات التي تم ضخها في القطاع خلال العام 2016 نحو 49.6 مليار ريال، بتراجع بلغ 4.5 مليار ريال مقارنة بالعام 2015. لهذه الصناعة قدرتها الكبيرة في تأسيس واقع صناعي، كمي ونوعي، ببلادنا وإلغاء وتمزيق كثير من فواتير المشتريات المستوردة، ما يجعل المستثمر الوطني أكثر كسبا ومشروعات أكثر جدوى وعائدا، وفي ذات المسح إشارات يمكن النظر فيها بتمعن لتأكيد عدد من الثوابت التي تتعلق بالانتاج ومكاسبه، من واقع أن السوق السعودي نفسه من الضخامة بما يجعله يستوعب كثيرا من المنتجات والخدمات مع ميزة التصدير لدول الإقليم بسهولة ويسر خاصة في المجال الكيميائي، حيث أظهر المسح أن نشاط صنع المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية هو الأعلى في استقبال الاستثمارات بصافي استثمارات بلغ نحو 23.8 مليار ريال، والتي شكلت نحو 48% من الاستثمارات الداخلة للقطاع. إذن بتنسيق إجرائي مع الجهات الاستثمارية، وآخر علمي مع جامعاتنا الوطنية بامتداداتها مع المراكز البحثية والعلمية في أعرق جامعات العالم، يمكن توظيف كثير من النتائج والتوصيات العلمية وبلورتها لمشاريع انتاجية متطورة تخدم المستثمر والصناعة والسوق ومن ثم الاقتصاد الوطني. لكننا نحتاج الى ما هو أكثر من خط إنتاج تصنيعي، بابتكار مسارات انتاج فكرية تدعم البحث والدراسات وتستقطبها في الأنشطة الصناعية التحويلية تحديدا وتجعلها ذات قيمة مضافة للسوق الاستهلاكي، وذلك في محصلته يخدم الواقع الصناعي بالدرجة الأولى ويجعل البحوث ذات قيمة تطبيقية أكثر واقعية. ثم إنه يضيف الى الاقتصاد الكلي مزيدا من الانتاج والعائدات وتطوير الموارد البشرية وتأهيلها وتحفيزها، ما يعزز ويزيد حصيلة المكاسب في النشاط الصناعي، ولكننا نظل بحاجة لخطوة أكثر جرأة وفاعلية من القطاع الخاص للانطلاق صناعيا في أكثر من مجال، سواء كان ذلك بصورة فردية أو عبر شراكات وتحالفات تنتهي الى تأسيس واقع صناعي أكثر قوة ومتانة.